يحتل اليمن هذه الأيام واجهة الاهتمام الدولي بسبب الأحداث التي يشهدها، سواء على صعيد الحرب على تنظيم «القاعدة»، أو المواجهات الدامية بين القوات الحكومية والمتمردين «الحوثيين» في الشمال، وتصاعد أعمال العنف ودعوات الانفصال في الجنوب، أو تأزم العلاقات بين الحزب الحاكم وشركائه في المعارضة. وفي غضون الأسابيع القليلة الماضية كان اليمن قبلة العديد من المسؤولين الغربيين كما ازدحمت فنادق العاصمة صنعاء بالصحافيين القادمين من أميركا وأوروبا لمتابعة الأحداث وسط مخاوف من انهيارات محتملة قد تشهدها البلاد لا سيما بعد تصاعد التحذيرات الدولية من مستوى الخطورة التي بات يشكلها تنظيم «القاعدة» في اليمن، في أعقاب محاولة تفجير طائرة الركاب الأميركية فوق مطار ديترويت عيد التي قام بها الشاب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب. ورغم المعلومات التي اشارت إلى وجود علاقة تربط النيجيري ب «القاعدة» في اليمن، وإعلان ما يسمى «تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» في بيان له على الإنترنت مسؤوليته عن العملية، إلا أن نائب رئيس الوزراء اليمني لشئون الدفاع والأمن الدكتور رشاد العليمي أكد في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي بأنه جند في بريطانيا وليس في اليمن. وجاء استهداف الطائرة الأميركية بعد أيام قليلة من «العمليات العسكرية الاستباقية» التي نفذتها السلطات اليمنية يومي 17 و 24 كانون الأول (ديسمبر) 2009 ضد تجمعات ومراكز تدريب عناصر القاعدة في محافظتي أبين وشبوة (جنوب البلاد) ومنطقة أرحب شمال صنعاء، وأسفرت وفقاً للمصادر الرسمية عن مقتل 64 شخصاً واعتقال أكثر من 30 آخرين، لكن محاولة استهداف الطائرة الأميركية رفع درجة المخاوف الغربية إلى مستوى غير مسبوق، وأكد أن تنظيم القاعدة ما يزال قادراً على اختراق الإجراءات الأمنية المتبعة منذ تفجيرات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، والوصول إلى أهداف في العمق الأميركي. ويسجل الخبراء في شؤون الإرهاب والجماعات المسلحة ثلاث عمليات «نوعية» نفذها تنظيم «القاعدة» خلال الأشهر القليلة الماضية، وشكلت اختراقا امنيا، الأولى محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف أواخر آب (أغسطس) الماضي، عندما نجح انتحاري من «القاعدة» في اجتياز كل الاحتياطات الأمنية وتفجير نفسه، أما العملية الثانية فهي محاولة النيجيري، وكلا العمليتين تبناها الفرع المحلي لتنظيم»القاعدة» في اليمن، في حين تتمثل العملية النوعية الثالثة في الهجوم الذي نفذه الطبيب الأردني همام البلوي في قاعدة «خوست» بأفغانستان نهاية كانون الاول (ديسمبر)، وأوقع سبعة قتلى من عناصر وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه)، بالإضافة إلى ضابط مخابرات أردني. واعتبر القيادي اليمني السابق في تنظيم «القاعدة» ناصر البحري، في تصريح إلى «الحياة»، ان العمليات الثلاث تشكل «نقلة نوعية» في عمل «القاعدة»، وأنها بمثابة عودة التنظيم إلى استراتيجيته القديمة المتمثلة في ضرب العمق الأميركي. ورأى البحري المكنى «أبو جندل»، وكان عمل حارساً شخصياً لزعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، ان العمليات الثلاث تكشف عن قدرات عالية بات التنظيم يمتلكها تشمل القدرة على إخفاء المتفجرات وعبور نقاط التفتيش الأمنية رغم تقنياتها العالية، واشار الى ان عمليتي ديترويت وخوست اظهرتا توجهاً جديداً للتنظيم في مواجهة الغرب، يقوم على المبادرة بتوجيه ضربات الى الولاياتالمتحدة خصوصا، وهو في نظره ما سيعيد له الشعبية التي فقدها خلال الفترة الماضية بفعل العمليات التي نفذها على اراضي دول عربية واسلامية وخلفت الكثير من الضحايا الأبرياء. وفي الشأن اليمني قال «أبو جندل» أن العمليات الاستباقية التي تشنها السلطات ضد «القاعدة» لن تؤثر على قدرات التنظيم، الذي «يتعرض للضربات منذ العام 2000 وخرج منها معافى في كل مرة»، مشيراً إلى أن الحل الأمثل يكمن في «العودة إلى الحوار مع هؤلاء الشباب»، ولكن بشرط «أن لا يكون من طرف موظفي الدولة»، وإنما «يقوم به العلماء»، الذين «كانوا أطلقوا هؤلاء الشباب للخروج إلى الجهاد في أفغانستان»، على حد قوله. في المقابل، يؤكد رئيس أركان قوات الأمن المركزي اليمنية العميد يحيى محمد عبد الله صالح، ان «الخيار العسكري والأمني هو الوحيد المتاح أمام السلطات اليمنية في تعاملها مع القاعدة»، لان «الحوار مع عناصر هذا التنظيم غير مُجدٍ». وأضاف صالح الذي كان أنشأ وحدة أمنية متخصصة في مكافحة الإرهاب، في تصريح إلى «الحياة»، ان «قوات الأمن والجيش اليمني قادرة على التصدي لعناصر هذا التنظيم، والقضاء عليها». وكانت المخاطر المحتملة من وراء تنامي نشاط «القاعدة» في اليمن، دفعت الولاياتالمتحدة بدرجة رئيسية ودولاً غربية اخرى الى اعتماد وسائل تفتيش أكثر دقة في المطارات تحول دون تكرار الاختراق الذي قام به الشاب النيجيري، فيما شهد العديد من العواصم الأوربية استنفاراً أمنياً واستخباراتياً غير مسبوق، تحسباً لردود فعل انتقامية من «القاعدة» ضد منشآت ومصالح يمنية وغربية، علاوة على مراجعة الأنظمة الأمنية والاستخباراتية الأميركية، بما يكفل التحديد الواضح لمهمات واختصاصات هذه الأجهزة، ويجعل التنسيق بينها أكثر جدوى. ولم تقف التحركات الدولية لمواجهة خطر «القاعدة» القادم من جنوب شبه الجزيرة العربية عند هذا الحد، بل تعدت ذلك إلى البحث عن أنسب الطرق لدعم اليمن الذي وضع في قفص الاتهام للحيلولة دون سقوطه كلياً، وهو ما سيبحثه مؤتمر لندن أواخر الشهر الحالي. وتعالت في الوقت نفسه الأصوات الرافضة للتدخل العسكري الأميركي المباشر في اليمن، باعتبار أن الإقدام على خطوة كهذه من شأنه أن يزيد من تعقيد الأزمة ويقوي تنظيم القاعدة الذي سيكسب تعاطف الكثير من القبائل اليمنية والجماعات الدينية، وهو ما دفع كلاً من الحكومتين اليمنية والأميركية إلى نفي أي نية لمثل هذه الخطوة. وعلى رغم أن اليمن أضحى اليوم محور الاهتمام الاستخباراتي والإعلامي على مستوى العالم ويواجه الكثير من الانتقادات والضغوط الدولية، فقد كان تعرض ل 61 عملية إرهابية خلال الفترة من 1992 الى 2009، يؤكد المسؤولون اليمنيون جدية السلطات في ملاحقة عناصر «القاعدة» وتمسكها بالشراكة مع المجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب، غير أن جهودها وبعكس ما تتناقله وسائل الإعلام، لم تقابل بالترحاب المأمول من قبل الإدارة الأميركية التي ترى أن اليمن عاجز في حربه على «القاعدة» والحد من تحركات رجالها على اراضيه. وإلى جانب الاتهامات الدولية لليمن بالتقصير في الحرب على الإرهاب، تتلقى صنعاء انتقادات حادة من الداخل بسبب العدد الكبير من الضحايا المدنيين الذين سقطوا في العمليات الاستباقية ضد «القاعدة»، وخصوصا في الغارة على قرية المعجلة بمديرية المحفد في محافظة ابين، على حد قول مواطنين اكدوا سقوط 41 مدنيا بينهم اطفال ونساء. وقال هؤلاء ل «الحياة» انه «يوجد بعض الأشخاص المنتمين الى القاعدة يتحركون على مرأى ومسمع من أجهزة الدولة، أما ان هناك معسكرات فهذا كلام غير صحيح». وتزداد مساحة السخط في أوساط المواطنين في المناطق الجنوبية على السلطة مع تزايد الحديث عن الدور الاميركي في عملية المحفد، الأمر الذي يرى مراقبونه انه سيكسب «القاعدة» تعاطفاً في هذه المناطق، ويوفر لها بيئة حاضنة تجعل تحركات عناصرها اسهل.