تدخل جماعة «الإخوان المسلمين» مرحلة جديدة من العمل حين تستقبل مرشدها العام الثامن الدكتور محمد بديع الذي سيتسلم مسؤوليات منصبه السبت المقبل بعدما أرجأت الجماعة ليومين المؤتمر الصحافي لإعلانه مرشداً عاماً في شكل رسمي. ويتسلّم بديع قيادة الجماعة بعدما شهدت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة انقسامات داخلية حادة بين جناحي المحافظين والإصلاحيين والتي ظهرت عقب رفض غالبية أعضاء مكتب الإرشاد السابق «تصعيد» الدكتور عصام العريان إلى عضوية أعلى سلطة في الجماعة وتطوّرت لاحقاً إلى تقديم النائب الأول للمرشد الحالي الدكتور محمد حبيب استقالته نهاية العام الماضي. ويرى مراقبون أن أولى مهمات الدكتور محمد بديع ستكون إنهاء الانقسامات الداخلية ولملمة أوراق الجماعة لضمان لعبها أدواراً سياسية على الصعيد الداخلي المصري. وفي الوقت ذاته، هناك ملفات عدة تنتظر الحسم من قبل المرشد الجديد في طليعتها الدعوات التي أطلقها بعضهم في شأن ضرورة فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي وهي دعوات لاقت رواجاً في الفترة الأخيرة من قبل عدد من قيادات «الإخوان» أنفسهم وكذلك حسم الخلافات حول برنامج الحزب الذي أعلنت عنه الجماعة قبل خمس سنوات وأحدث جدلاً شديداً في شأن طريقة تعامل الإخوان مع الأقباط والمرأة. وأفيد أن الجماعة التي فازت بعشرين في المئة من مقاعد مجلس الشعب (البرلمان) في الانتخابات التي أجريت العام 2005 تشهد جدلاً وخلافات داخل قواعدها وكوادرها الإقليمية في شأن الاشتراك في استحقاق نيابي يجري في مطلع نيسان (أبريل) المقبل. ففي حين يرى بعضهم أن المشاركة في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) غير ذات جدوى خصوصاً في ظل المناخ الذي تعيشه الجماعة، ولذلك يرى هؤلاء أن ادخار جهود الجماعة إلى انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) التي ستجرى في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل سيكون أكثر فائدة. غير أن آخرين يرون أن المشاركة في انتخابات الشورى ستعود بالفائدة الكبيرة على الجماعة على الصعيد الإعلامي على الاقل، حتى وإن لم تتمكن من حصد أي مكاسب. وتؤكد مصادر قيادية في «الإخوان» أن مسألة الاشتراك في انتخابات الشورى «ستكون محل بحث عقب تولي الدكتور بديع مهمات منصبه». وقالت ل «الحياة»: «سيكون على بديع حسم الخلافات واتخاذ القرار بعد النقاش مع المكاتب الإدارية الإقليمية للجماعة والتي سيكون لها الرأي الأول في قدرات المشاركة والأعداد التي سيتم الدفع بها». وقالت: «في حال لم يتمكن بديع من الحسم سيتم اللجوء الى مجلس الشورى العام لإنهاء الخلافات». من جهته، يؤكد عضو مكتب إرشاد الإخوان الدكتور عصام العريان ل «الحياة» أن الجماعة «قادرة على الخروج من شرنقة الخلافات ... فعلى رغم أن الأزمة الاخيرة كشفت وجود اختلاف في وجهات النظر حول الإجراءات المتعلقة بالانتخابات والتفسيرات المتعددة لنصوص اللائحة، غير أن تاريخ الإخوان يحفل بالعديد من الأزمات الأشد والأخطر، وتلك الأزمات لم تؤد إلى انشقاق كبير مثلما حدث مثلاً فى حزب الوفد أو في الحركة اليسارية». غير أن الخبير في الحركات الإسلامية في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي يرى أن جماعة الإخوان «تتجه نحو مزيد من الانكفاء على الذات»، مرجحاً أن «تخرج الجماعة من حلبة المنافسة السياسية وألا يكون لها دور في مسألة الإصلاح السياسي خلال العامين المقبلين» اللذين سيشهدان محكات مفصلية في التاريخ المصري الحديث. ويؤكد الشوبكي ل «الحياة» أن الخلافات التي نشبت في الفترة الأخيرة داخل الجماعة «لن يتمكن الدكتور بديع من حسمها بل سيتم ترحيلها والتعامل معها بالمسكنات». إلا أن القيادي الاخواني عصام العريان لا يتفق مع حديث الشوبكي ويؤكد ان استراتيجيات جماعته لن تتغير في المرحلة المقبلة، موضحاً ان غالبية اعضاء مكتب إرشاد الإخوان الجديد هم أنفسهم «الذين يشهد لهم الجميع في تطوير عمل الجماعة وتحقيق نتائج على مدى السنوات الماضية». وقال ل «الحياة»: «نشاط الجماعة الواسع في الحياة السياسية المصرية على مدى السنوات الست الماضية تم بموافقة غالبية أعضاء المكتب الجديد وهناك ثلاثة من الجدد كانوا في قلب النشاط العام وكانوا يقدمون رؤية للنشاط العام للإخوان». واعتبر العريان أن «من يعتقدون أن جماعة الإخوان ستعتمد في الفترة المقبلة على الأفكار التي جاءت في كتابات سيد قطب في خصوص التركيز فقط على البُعد الدعوي والعقائدي هم واهمون، إذ أن الجماعة لا تقدّس أفكار أي بشر وتفهم كل ما جاء عن أفكار قطب في إطار واضح».