«ليس «اليوم التالي»، مجرد فيلم نضالي... فهو، إذ يحتوي على تحية الى الشاعر محمود درويش - الراحل عام 2008 - يصور في شكل أساس كرامة شعب في مواجهة عدوه، ويصور إرادته في العيش مهما كان الثمن». بهذه العبارات استقبل بعض النقد التلفزيوني الفرنسي فيلم «غزة - ستروف، اليوم التالي» للمخرجين سمير عبدالله وخير الدين مبروك، الذي يعرض على التلفزة الفرنسية مساء اليوم، ضمن فقرة خاصة عن فلسطين تتألف منه ومن شريط تال له عنوانه «الحلم العربي». و«اليوم التالي» فيلم حقق عند بدايات عام 2009، لكنه لم يعرض تلفزيونياً حتى اليوم، حيث يقدم لمناسبة مرور سنة على العدوان الإسرائيلي على غزة. الفيلم من إنتاج فرنسي - فلسطيني مشترك. وتتألف دقائق عرضه الخمس والخمسون من مشاهد وانطباعات صورها المخرجان في غزة بدءاً من اليوم التالي لتوقف العمليات العسكرية هناك. وهي عمليات بدأت يوم 27 كانون الأول (ديسمبر) لتتوقف يوم 18 من الشهر التالي. ويوم 19 دخل المخرجان مبروك وعبدالله المدينة، في رفقة مجموعة من مناضلي المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. وبهذا يكون هذا الفيلم أول ما حقق عن تلك الأحداث الهمجية التي قتلت المئات ودمرت أحياء وقرى بكاملها، الى درجة عجز معها مواطنون دخلوا في ركاب المناضلين الحقوقيين والسينمائيين عن التعرف إلى الأماكن التي كانت بيوتهم تقع فيها. ومنهم ذلك المواطن الذي وقف مذهولاً أمام بيته أو ما تبقى منه متسائلاً عما بقي منه حقاً، فيما الكاميرا تلتقط صورته مكتشفة معه ما حدث حقاً. والحقيقة أن الشريط انما استقى موضوعه من هنا، من هذه الوقفة. فمخرجاه وفريقهما، حين دخلوا المدينة والمناطق المحيطة بها، لم يكونوا قد خططوا أصلاً لعمل محدد. كانوا يريدون تصوير ما حدث، ثم - أكثر من هذا - تصوير ردود فعل الناس على ما حدث. وكل هذا من دون أن يكون الفيلم مجرد تسجيل للمعاني السياسية، أو مجرد تحديد لتوالي الأحداث. الكاميرا كانت هناك، لتكتشف في الوقت نفسه الذي كان فيه سكان غزة يكتشفون. وبدا واضحاً ان الكاميرا ذهلت ودهشت ذهول الناس ودهشتهم. في معنى انها لم تحاول أن تبرهن أو تحلل... بل كان همها أن تُري... أن تصور، ان تقدم شهادة بصرية. ومن هنا، لئن كان كثر من النقاد الفرنسيين الذين شاهدوا الفيلم أسفوا لأنه لم يحمل وجهة نظر أخرى «مثلاً، وجهة نظر العسكريين الإسرائيليين الذين فعلوا ما فعلوا، بحسب رأي الناقد فنسان آركيليار الذي يضيف، على الأقل كي نعرف رأيهم في ارتفاع معدل الدمار وعدد الضحايا»، فإن لسان حال صاحبَي الفيلم كان أنهما لم يتوخيا سوى تقديم شهادة بصرية هي في حد ذاتها كافية، لقول وجهات النظر كلها... طالما ان كل مشهد وكل شهادة وكل صورة، التقطت ميدانياً، في شكل مرتجل عفوي، دون أي تخطيط مسبق... إذاً، شهادة من قلب الحدث، في زمن الحدث، لعلها خير ما يقدم في مناسبة مرور سنة واحدة من المجازر الأكثر عنفاً التي ارتكبتها العدوانية الإسرائيلية في تاريخها. * «فرانس أو»، 18.35 بتوقيت غرينتش.