افترش الحاج حميد العليوي، وهو في عقده التاسع، الأرض متكئاً على عمود خيمة أقامها خميس الناجي، شيخ عشيرة الجبور في بلدة العلم ورئيس مجلس شيوخ عشائر محافظة صلاح الدين، إلى جانب أنقاض مضيفه بعدما فجرته عناصر «داعش»، وهو يردد أبياتاً من «الزهيري»، وهو نمط شعري تتميز به هذه المنطقة. وفيما كان العليوي والناجي ينشدان الشعر، قال الأخير إن «دلال (القهوة) مضيفنا التي ورثناها من أجدادي باعها الدواعش كأي سلعة بائرة بأبخس ثمن، انتقاماً من وقفتنا في وجوههم». وأضاف «أقام الدواعش سوقاً بيعت فيه ممتلكات عشيرة الجبور، بعدما تركنا منازلنا في عهدة نازحين من تكريت». وتعد العلم واحدة من أكبر بلدات محافظة صلاح الدين، غالبية سكانها من عشيرة الجبور، إضافة إلى عشائر البوعجيل والعزة وبيوتات من قبائل أخرى، اجتاحها مسلحو «داعش» الصيف الماضي، بعد سقوط الموصل في 9 حزيران (يونيو) الماضي، على رغم المقاومة التي أبداها الجبور وأدت إلى مصرع الشيخة أمية الناجي وعدد من المقاومين. ولسقوط الناحية في يد «داعش» قصة أخرى مازالت عالقة في أذهان 40 عائلة فرت من البلدة إلى كركوك هرباً من القصف المدفعي العنيف، وعند وصولها إلى حدود قضاء الحويجة أوقفها حاجز تفتيش لمسلحي «داعش» خطفوا كل الفارين وأعادوهم إلى القصور الرئاسية في تكريت، وبعد اشتداد مقاومة أهالي العلم، هددوهم بالقتل إذا لم يسمح لهم بدخول البلدة، ما اضطر عقلاء القوم إلى المحافظة على أرواح مئات الأطفال والنساء وقرروا الانسحاب. وخضعت العلم لسيطرة داعش حتى العاشر من آذار (مارس) الماضي حين رفعت القوات العراقية تساندها تشكيلات «الحشد الشعبي» وأبناء عشائر الجبور العلم الوطني فوق مقر القضاء. مقاتلون من عشيرة الجبور شاركوا في معارك تحرير البلدة يروون حكايات عن تلك العملية، ويقول جعفر المنصور (طالب جامعي) وأحد المقاتلين، إن «إخوتنا من أبناء الجنوب وبغداد كانوا يتسابقون معنا في دخول العلم، وأحياناً يمنعوننا من تقدم الصفوف عند اقتحام حي أو قرية يتحصن فيها انتحاريون، لقلة خبرتنا في هذا المجال». حكايات كثيرة يحملها بعض سكان القرى القريبة، عن عمليات القتل الجماعي والفردية التي اقترفها التنظيم بحق الأهالي، ويقول محمد صالح: «في أحد الأيام هجم عناصر داعش على منزل في أطراف البلدة يسكنه رجل تجاوز السبعين، وهو من عائلة الجبارة مع أسرته، وسحلوه في ساحة قريبة وأطلقوا عليه النار بعد اتهامه بالعمالة للحكومة». وأضاف: «كان الدواعش يقيمون حواجز تفتيش داخل الناحية وعلى الطرق المؤدية إلى القرى المحيطة بها لاعتقال أي شخص من الجبور». ويروي أحمد العبدالله ما يأتي: «في ليلة الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي قررنا نحن مجموعة من شباب المنطقة أن نعلن رفضنا إرهابهم ونؤكد تمسكنا بالعراق الواحد فهيّأنا علماً وطنياً وتسللنا إلى ساحة الدلة وأنزلنا راياتهم منها ورفعنا علمنا، ما أثارهم فشنوا حملة اعتقالات طاولت حوالى 70 شاباً وشيخاً وقتلوا عدداً منهم في الموقع ذاته».