عندما حاول مقاتلو داعش اقتحام مدينة الضلوعية التي تقع على نهر دجلة هذا الأسبوع تصدى لهم تحالف نادر من مقاتلي العشائر السنية والشيعة من مدينة بلد على الضفة الأخرى من النهر. بدأ الهجوم يوم الثلاثاء واستمر حتى الخميس وكانت واحدة من عدة معارك كبيرة في الأيام الماضية انضمت خلالها عشائر سنية للميليشيات الموالية للحكومة ضد المقاتلين الدمويين وهو ما تأمل بغدادوواشنطن أن يكون علامة على تعاون متزايد بين الطوائف العراقية لإنقاذ البلاد. إلى الشمال قاتلت عشيرة سنية قوية أخرى بجانب القوات الكردية لطرد مقاتلي من يطلقون على أنفسهم "الدولة الإسلامية" من ربيعة وهي بلدة تسيطر على إحدى نقاط التفتيش الرئيسية على الحدود مع سوريا التي يستخدمها مقاتلو داعش الذين يتدفقون عبر الحدود من سوريا. في غرب العراق قاتلت عشائر سنية إلى جانب القوات الحكومية في هيت التي استولى عليها مقاتلو الدولة الإسلامية يوم الخميس وحدث الشيء نفسه في حديثة التي يوجد بها سد إستراتيجي على نهر الفرات، مثل هذه التحالفات المحلية لا يزال نادرا. ففي معظم المناطق السنية بالعراق أظهرت العشائر قليلا من التحول ضد المقاتلين الإسلاميين مثلما حدث عندما جندتها الولاياتالمتحدة فيما سمي "مجالس الصحوة" عامي 2006 و2007. وكذلك فإن الكثيرين من قادة "مجالس الصحوة" اعتقلتهم بغداد في وقت لاحق وهو ما رآه السنة خيانة. العداء الطائفي والعرقي عميق بعد عشر سنوات من الحرب الأهلية التي مست كل أسرة عراقية وجعلت من الصعب على السنة والشيعة والأكراد أن يثقوا في بعضهم البعض. لكن بعد شهرين من حملة القصف الجوي التي تقودها الولاياتالمتحدة قدمت معارك الأسبوع الحالي أقوى العلامات الأولى على ما تأمل واشنطنوبغداد أن يكون إحياء للتحالف مع العشائر في سبيل التصدي للدولة الإسلامية. الضلوعية مدينة صغيرة على نهر دجلة ويمر بها طريق سريع يربط بين الجنوب والشمال وهو ما يجعلها واحدة من المحطات الأخيرة المحتملة لمقاتلي داعش الذين يحاولون مهاجمة بغداد من الشمال. عندما وصل مقاتلو داعش في يونيو، رفض أفراد عشيرة الجبور طلبهم تسليم أكثر من 35 من ضباط الأمن المحليين. ومنذ ذلك الوقت وقعت هجمات وهجمات مضادة حوصر خلالها معظم رجال العشيرة السنية داخل المدينة. وفي وقت لم يجد فيه رجال العشيرة السنية مخرجا بدأ السكان في مدينة بلد على الضفة الأخرى من النهر - التي تسكنها أغلبية شيعية - مد يد العون لهم. وقال عبد الله محمد وهو مقاتل من عشيرة الجبور : "ليس لنا منفذ الآن ما عدا القوارب التي تذهب إلى بلد المكان الوحيد الذي يساعدنا، أهل بلد ساعدونا بالطعام والذخيرة والسلاح واستقبال المصابين". وقال تركي خلف تركي رئيس المجلس البلدي في الضلوعية: إن هذا التعاون يمكن أن يكون نموذجا يحتذى للعراق، وأضاف ان نقطة البداية لوحدة العراق ستكون هي الضلوعية التي أرادت الوحدة، بينما أرادت الدولة الإسلامية الفرقة. وشن المقاتلون الدمويون يوم الثلاثاء ما بدا أنه هجوم منسق للاستيلاء على المدينة نهائيا، وقال العقيد حسين الجبوري من قوة الشرطة في الضلوعية: إن مقاتلي داعش ضربوا المدينة من الجانبين الشرقي والشمالي مستخدمين قذائف المورتر وآر.بي.جي والبنادق الآلية والقنابل اليدوية. وقال لرويترز : "استطعنا أن نوقفهم" وكانت معنويات الناس عالية لأنهم كانوا يدافعون عن مدينتهم وأسرهم، وأضاف أن المدينة كانت تتعرض لهجوم بقذائف المورتر في الوقت الذي يتحدث فيه، وقتل تسعة من السكان وأربعة مقاتلين. وعلى الجانب الآخر من النهر شن المقاتلون الإسلاميون أيضا هجوما على مدينة بلد قرب ضريح شيعي وهو ما كان يمكن أن يسمح لهم بحصار الضلوعية من الجهات الأربع، وقال أبو غيث وهو شيخ شيعي صاحب نفوذ إن مقاتلي بلد دافعوا عن المكان لمساعدة رجال العشائر في الضلوعية. وقال: "لو سيطروا على هذه المنطقة لا قدر الله لاختنقت الضلوعية ولكان من الصبح علينا مد يد العون"، هذا التعاون السني الشيعي نادر، لكنه ليس حالة فريدة. في الشمال ساعد أفراد عشيرة الشمر القوات الكردية (البشمركة) في الاستيلاء على ربيعة يوم الثلاثاء وهي نقطة العبور الرئيسية بين شمال العراق والأراضي التي تسيطر عليها "الدولة الإسلامية" في شرق سوريا. وقال عبد الله ياور وهو عضو بارز في العشيرة التي كانت علاقتها مريرة لوقت طويل مع الأكراد : إنه يجري مفاوضات لإقامة تحالف مع زعيم كردستان العراق مسعود برزاني منذ اجتياح مقاتلي داعش مدينة الموصل أكبر مدن شمال العراق في يونيو حزيران. قبل هجوم الأكراد هذا الأسبوع على ربيعة اتصل ياور بسكان البلدة لإبلاغهم بأن القوات المهاجمة "صديقة"، وقال لرويترز "كل الشمر مع البشمركة وبيننا تعاون كامل". في هيت التي تقع على نهر الفرات غربي بغداد التي سقطت في أيدي مقاتلي الدولة الإسلامية هذا الأسبوع ذكرت أنباء أن عشيرة البونمر اشتبكت مع مسلحي التنظيم. وقال أحد أفراد العشيرة طالبا ألا ينشر اسمه إنهم فعلوا ذلك : "عندما رأينا مقاتلي الدولة الإسلامية يقتلون المدنيين والأبرياء ويدمرون المنازل. بل إنهم أخذوا بعض رجالنا ولا نعرف مصيرهم إلى الآن". وأضاف : "عندما اكتشفنا سلوكهم وأعمالهم المناقضة لتعاليم الإسلام قررنا أن نقف ضدهم وقررنا أن نقاتل أي أحد يقف ضد الجيش والحكومة". وفي حديثة التي تجاور سدا استراتيجيا على الفرات إلى الغرب من هيت تحالفت عشيرة الجغيفي أيضا مغ قوات الأمن لصد عدة هجمات شنتها الدولة الإسلامية. وقال إحسان الشمري وهو أستاذ للعلوم السياسية في جامعة بغداد : إنه يرى ما حدث صدى لمجالس الصحوة في عامي 2006 و2007، وأضاف "أعتقد أنه يمثل تحولا كبيرا في قتال الدولة الإسلاميةعلى مستوى المجتمع العراقي". في الضلوعية كان الأمل يحدو قادة عشيرة الجبور في باديء الأمر أن يتجنبوا الاشتباك مع الدولة الإسلامية عندما اقتحم مقاتلوها ضواحي المدينة مستخدمين نحو 25 سيارة يوم 14 من يونيو بعد أربعة أيام من الاستيلاء على الموصل. أبلغ المقاتلون سكان المدينة بأن هدفهم هو بغداد، وأنهم لا يعتزمون القتال للسيطرة على الضلوعية. ويتذكر شرطي انهم أعلنوا أنهم لا يريدون سوى دخول المدينة ليكون بإمكانهم إعلان أنهم اجتاحوها، مشددين على أنهم سيرفعون أعلامهم على المباني وينصرفون. كان الشيخ محمد خميس أحد قادة العشيرة من بين مجموعة من ممثلي المدينة اجتمعوا مع مقاتلين الدولة الإسلامية، وفي البدء وافق خميس على ترك المقاتلين يدخلون لحرصه على تجنب المواجهة. وقال خميس لرويترز : إن المتمردين طلبوا تسليمهم 35 من ضباط الأمن في المدينة وعندها "عقدت العشيرة اجتماعا ورفضنا طلبهم وحملنا سلاحنا ضدهم." وأضاف "قالوا إن هذا يعني إعلان الحرب علينا" وبعد ذلك بدأت المعارك. ويوم الخامس من يوليو شن المقاتلون الإسلاميون هجوما متعدد المحاور على المدينة ونسفوا جسرا خشبيا كان يربط بلد بالضلوعية، وتقول الشرطة: إن 90 شخصا قتلوا وأصيب 400 آخرون منذ يونيو. وقال أبو غيث وهو مواطن شيعي في بلد دعا أهل المدينة للوقوف إلى جانب أهل الضلوعية: إن مقاتلين سنة قتلوا واحدا من أبنائه بالرصاص في 2008، لكن وصول مقاتلي داعش أقنعه بالتغلب على عدائه لجيرانه السنة في مواجهة ما رآه خطرا أكبر. وقال لرويترز : "نعم أريد الثأر لمقتل ابني لكني أشعر بالحزن الآن عندما أسمع أن قصف مقاتلي داعش استهدف أي قرية سنية"، وأضاف : "رغم أن بلد استهدفت كثيرا في الماضي الآن أهل بلد يساعدون الضلوعية في هذه الأوقات العصيبة" وتابع : "استمرار هذه العلاقة (من التعاون) ليس سهلا. إنه يحتاج إلى وقت وأن يطهر بعض الناس قلوبهم".