فيما بدأت معظم التحليلات تشير إلى «أفول»، أو تراجع «القاعدة» والتيار السلفي - الجهادي، عاد الأسبوع الأخير من السنة الماضية ليثير التساؤلات حول قدرة التيار، والاستراتيجيات التي يتبعها. فما أن كانت واشنطن في منتصف الشهر الماضي منشغلة بالقبض على خمسة أميركيين مسلمين في باكستان، كانوا ينوون الانضمام للجهاديين في المنطقة، جاءت ليلة الميلاد لتحدث تحولاً في فكرة تراجع التيار السلفي - الجهادي. في ليلة الميلاد، وبنفس أسلوب محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف، التي ارتبطت بإرسال مجند من اليمن وباستخدام أساليب جديدة في إخفاء المتفجرات، حاول النيجيري عمر عبدالمطلب (23 سنة) خريج لندن، والذي كان زعيماً طالبياً فيها، تفجير الطائرة المتجهة من العاصمة الهولندية إلى مدينة ديترويت الأميركية. وبعدها بأيام كشف عن تنفيذ عملية انتحارية داخل محطة لوكالة الاستخبارات الأميركية CIA في أفغانستان، ليكشف بعدها بأيام عن أن المنفذ أردني كان يوهم الاستخبارات الأردنية وال CIA بأنه يعمل لمصلحتهما، وهو أحد الناشطين في المنتديات الجهادية على الانترنت، انه همام أبو ملال البلوي، من مدينة الزرقاء (25 كلم شمال شرقي العاصمة عمان) وكان يعرف في المنتديات الجهادية بأبو دجانة الخراساني. وخلال تلك الفترة، أيضاً، حاول شاب، أشارت التقارير إلى أنه يرتبط بتنظيم «الشباب المجاهدين» في الصومال، الهجوم على أحد رسامي الكاريكاتير الدنماركيين، وهو صاحب الرسوم التي أثارت غضب العالم الإسلامي وبرزت بسببها المطالبات بمقاطعة المنتجات الدنماركية وخرجت العديد من التظاهرات ضدها، وفوق هذا وذاك. باتت اليمن موئلاً أساسياً ل «القاعدة»، وما زالت المنطقة الحدودية الباكستانية - الأفغانية تؤدي الدور الوظيفي نفسه، وأيضاً الصومال. هذه الأحداث كلها تؤشر على تحولات أساسية في الاستراتيجيات التي يتبعها التيار السلفي - الجهادي، وليس، كما بات العديد يشير، إلى تراجع في قدرات التيار، بل هي أنماط من التحولات المرتبطة بالتكيف مع الضغوط المفروضة عليه، وخاصة، على ثلاثة مستويات، الأول ويتعلق بتحول الحركات المحلية التي كانت تنشط مع القاعدة من الدور «الحاضن»، أو «المستضيف» إلى «المعتنق» و «المتبني» للأيديولوجية السلفية - الجهادية، وثاني التحولات يرتبط، بالدور المتصاعد للملاذات الآمنة في تقديم الأمن، والتدريب للأفراد، ومن ثم «تخريجهم». وأما التحول الثالث فيرتبط بالتكتيكات المتبعة في تنفيذ الهجمات. أما في ما يتعلق بظاهرة التحول لدى الجماعات المحلية في تبني الإيديولوجية السلفية - الجهادية فقد ظهرت أخيراً في عدد كبير من الأحداث، مثلاً في طرح حركة «تحريكي طالبان باكستان»، لنفسها كحركة وطنية باكستانية، حين صرح زعيم الحركة حكيم الله محسود، وفي خضم المواجهات مع السلطات الباكستانية في وزيرستان، أنه على استعداد لتوجيه سلاحه ضد الهند إن كف الجيش الباكستاني عن قتاله، وقد كان هذا متوازياً مع تقارير كانت تشير إلى بروز نوع من الاستقطاب بين أوساط «البنجابين» للحركة الجهادية، وهم أهل الإقليم الذي كان دوماً يحسب على الطبقة الحاكمة وكبار العسكريين، وأيضاً ترافق ذلك مع الكشف عن وثائق إعلان محسود لقيادته، وكتابته لسيرته الذاتية بلغة الأردو لا البشتو التي يتقنها. وعلاوة على هذا ملاحظة أن المنتديات الجهادية باتت تنشر الكثير من موادها المكتوبة السمعية والمرئية ليس بالعربية أو الانكليزية، في بعض الأحيان، بل بلغة الأردو، اللغة القومية، إن جاز التعبير لدى الباكستانيين، وكذلك الكردية، والتركية، وبعض اللهجات الصومالية، وغيرها ومعظم هذه المواد لا تنحصر بالشؤون المحلية بل تضم أيضاً ترجمات لكلمات قيادات «القاعدة»، والتيار السلفي - الجهادي. وهناك أيضاً، أمر آخر يتجلى في تحول دور «الحاضن»، فمثلاً كان أحد أهم أسباب تراجع التيار السلفي - الجهادي في العراق، والشيشان، ومناطق شبيهة أخرى فقدانها دعم المجتمع المحلي، بسبب الاختلاف الأيديولوجي عموماً، ولأسباب أخرى أيضاً، ولكن في ظل هذا التطور الجديد يلاحظ نوع من التداخل بين المجتمعات المحلية مع السلفيين الجهاديين، وأبرز مثال على ذلك هو التداخل القبلي في اليمن مع السلفيين - الجهاديين حالياً، حتى أن تنظيم «القاعدة في الجزيرة العربية»، أيد مطالب «الحراك الجنوبي»، وكذلك أسماء أعضاء التنظيم تدل على أن أبناء المناطق الجنوبية منخرطين فيها على نحو أوسع من السابق، ما يدلل على تداخل القبلي بالسلفية - الجهادية. وكذلك الحال في إقليم بلوشستان، وإن بدرجة أقل من اليمن، وأيضاً في بعض مناطق الصومال. وهناك مثل آخر، على هذا التحول، ويرتبط بنشاط الجماعات المحلية التي باتت تتبنى الأيديولوجية الجهادية، بمعزل عن السلفيين - الجهاديين العرب، أو «القاعدة»، كحال «سيف الدين» الذي قالت وسائل الإعلام الأميركية أنه هو من جند خمسة شبان أميركيين من العاصمة الأميركية واشنطن، لينضموا إلى «طالبان» باكستان، وليس «القاعدة»، عبر الانترنت، وهؤلاء الخمسة معتقلون الآن في باكستان. وفي ذلك مؤشر على نشاط الجماعات المحلية منفردة حتى في التجنيد، وكانت «طالبان باكستان» أعلنت أن الأردني همام البلوي، هو أول عربي في صفوف التنظيم، مما يؤشر على التداخل بين الحركة المحلية والإيديولوجية السلفية - الجهادية. أما في التطور الثاني، والذي يرتبط بدور الملاذات الآمنة، فيلاحظ أن السياسة الجديدة التي يتبناها السلفيون - الجهاديون، ترتبط بخلق ملاذات آمنة بدلاً من الاعتماد على ملاذ آمن واحد. ذلك أن تجربة الاعتماد على ملاذ آمن واحد كحال السودان بداية التسعينات من القرن الماضي، أو أفغانستان في ظل «طالبان» منذ منتصف التسعينات وحتى هجمات الحادي عشر من أيلول، يؤدي إلى فقدان المساحة الجغرافية اللازمة للعمليات والإعداد في حال المواجهة مع النظام المحلي (كحال السودان)، أو مع القوى الخارجية كما حدث لتنظيم «القاعدة» بعد أن شنت الولاياتالمتحدة حربها عليه، وبما أن الملاذ الآمن، يقدم عادة للجماعات المسلحة الدعم اللوجستي، والأمن للقيادات، وطرق واضحة للتمويل، والتدريب، وبالنسبة الى تنظيم «القاعدة» البعد الأيديولوجي في الدولة الإسلامية فإن الملاذات الآمنة الجديدة كاليمن، والصومال، والمنطقة الحدودية بين أفغانستانوباكستان، وبعض مناطق آسيا الوسطى، وبعض المناطق الأفريقية، كملاذات محتملة للقاعدة، باتت تلعب دوراً مهماً في تنفيذ الهجمات في الخارج، وهو ما ظهر خلال الأسبوعين الأخيرين، فتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، في اليمن، درب وجهز الشاب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب الذي حاول تفجير الطائرة قبل هبوطها في ديترويت يوم عيد الميلاد، كما أن الشاب الذي حاول اقتحام منزل الرسام الدنماركي كورت فيسترغارد لقتله، ارتبط بمنظمة «شباب المجاهدين» الصومالية، وقبلها كانت محاولة اغتيال نائب وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف، التي خطط لها في اليمن، وعدد من الخلايا والمجموعات في أوروبا والولاياتالمتحدة ارتبطت أيضاً إما بالصومال أو باليمن أو بالمنطقة الحدودية بين أفغانستانوباكستان. التحول الثالث يرتبط بنوعين من التكتيكات المتبعة من السلفيين - الجهاديين، سواء المحليين الجدد، أو القدامى، في ملاذاتهم الآمنة، وفي إرسال العناصر لتنفيذ العمليات في الخارج، خصوصاً في العالم الغربي. فعلى المستوى المحلي ما زالت التكتيكات المتبعة هي العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة، والمواجهة، والكمائن الجماعية هي السائدة، بينما لوحظ في حال الأفراد الذين أرسلوا الى الخارج أن اللجوء لما يعرف ب «الجهاد الفردي»، عبر عمليات نوعية، تحقق التغطية الإعلامية الكبيرة، وذلك كي يسهل في الوقت ذاته، التجاوز الأمني. وبهدف التجاوز الأمني يلاحظ أن السلفيين - الجهاديين، يلجأون لعناصر من أصول أفريقية، بعدما لجأوا الى عناصر عربية في هجمات الحادي عشر من أيلول، وأيضاً الى عناصر عربية شمال أفريقية في تفجيرات مدريد 2004، ومن ثم بريطانيين من أصول باكستانية في تفجيرات لندن 2005، وكان تنظيم «القاعدة» أشار في بيان له في العام 2005 بعنوان «راكان بن وليامز»، إلى أنه استخدم مثل هؤلاء وصولاً إلى الشخصية المتخيلة «راكان بن وليامز» التي سيلجأون إليها، وهي تمثل الشخص الغربي، الذي أعلن إسلامه، وهو الذي سيتجاوز النقاط الأمنية الغربية بسهولة، لينفذ عمليته، ما يؤكد صعوبة نجاح السياسة، التي بدأ البعض يطالب باتباعها في العالم الغربي، والتي تقوم على اختيار المسافرين بناء على «معايير معينة» في المطارات لإخضاعهم لمزيد من التفتيش، وتمريرهم بأجهزة الكشف الخاصة.