لم أكن أقصد أن أنصت إليهما، وإن كان من عادتي التصنت والتدخل في خصوصيات الآخرين ممن أعرف وممن لا أعرف أيضاً. فلِمَ لا أتعلم أن أُشغِل نفسي بسلسلة من الأفكار المفيدة لي، والتي تُبعدني عمّن حولي، لأطوّر نفسي بدلاً من انشغالي بما قاله فلان، وبما عملته فلانة. لكنني في تلك الجلسة، إذ كنت أرتشف القهوة في ركن منزوِ من أحد مقاهي البحر، وكنا أنا وصديقتي صامتتين من كثرة ما تكلمنا وثرثرنا، حتى خلص الكلام والقيل والقال. فلم أتمالك نفسي من الالتفات نحوهما بخفر بين الفينة والأخرى. لا أعرفهما، رجل وامرأة يتحدثان، وبفضولي المعتاد صرت أستمع إلى كل كلمة يتفوّها بها. قالت: حاولت أن أخط إليك كلمات جديدة لم تعبر بعد على أوراق قاموس. قال: ليتكِ سمعت الحديث الذي دار في الشركة عن سيارتي الجديدة. لم تعلُ الأشجار وتتكاثف أوراقها إلا لصناعة أراجيح ظل لك. - طلب ثمناً باهظاً لمدينة الملاهي التي يمتلكها وكنت مستعداً لأنقده إياه. كم أحاول تشجيعك على ما تحب. - كم شجعت ناديّ المفضل، وعلى رغم هذا يخسر ويخسر. حين أنظر إلى عينيك أُبحر بمراكب شوق إلى جزر آهلة بدفء الروح. - حين أبلغني وكيلي في أوروبا بغرق إحدى سفني، لم أكترث للأمر لأنّ شركة التأمين ستعوضني بسخاء ضعف ثمن السفينة وحمولتها. أبحث عن كوكب أكبر يتسع لما أكنه لك من حب، فهذه الأرض لم تعد تكفي. - وأنا أبحث عن مصرف يقدم تسهيلات أكبر، فالمصارف لم تعد تقدم ما يُرضي. حاولت أن أكف عن الإنصات، أن أفكر في ما يدور حولي. هل صحيح ما أسمعه، أم أنني مخطئة وواهمة؟ وهل هذا الحوار منبعث من طاولة واحدة أم طاولتين؟ التفت بكل حواسي لأتأكد... نعم رجل وامرأة يجلسان متقابلين. عيناها تحاور عينيه، يداها تعانق فنجال القهوة الدافئ. هما اللذان كانا يتحدثان، فالصوتان صوتهما، والكلمات كلماتهما، والحب جمعهما. قالت: أحس بأنّ ما لدي من حب لسنوات لا يكفي لأبني لك قصراً شاهقاً من الحنان. قال: - أرغب في بناء مجمع سياحي على الشرم القريب من المدينة. أخاف من وقت لا يجمعني بك، فلينتهي العالم ولا ينتهي لقائي بك يا حبيب عمري. - عذراً حبيبتي، لقد تأخرت فلديّ موعد مع أحد السماسرة. إلى اللقاء خلف الزاوية أنا في هواك بنار الشوق اشتعل في قصة الحب أنت العاشق البطل يا مستحيلاً على قلبي وأجنحتي أمضي إليك بأشواقي ولا أصل [email protected]