في اليوم الثاني لزيارتنا كندا توجهنا للملحقية الثقافية، وكان في استقبالنا موظفو الملحقية وعلى رأسهم الملحق الدكتور فيصل أبا الخيل، والمشرف على الشؤون الثقافية الدكتور سليمان الرياعي، والمشرف على الشؤون التعليمية الدكتور خالد الحذيفي، وأجروا لنا جولة تعريفية بالمبنى، بعد أن قاموا بعرض رائع عن الملحقية وبرامجها وخططها وأقسامها، ثم توجهنا لمبنى سفارة خادم الحرمين الشريفين، وقابلنا سفير خادم الحرمين الشريفين لدى كندا أسامة بن أحمد سنوسي، الذي كان حريصاً على مصلحة الطلاب وتقديم كل أوجه المساعدة والدعم للملحقية في أداء عملها، ونقل لنا إشادة الحاكمة بخادم الحرمين الشريفين ورؤيته للتعليم وحوار الأديان والثقافات، وذلك خلال تقديم أوراق اعتماده لها. منذ بداية مشروع الابتعاث الخارجي وهدفه معروف وهو تأهيل الشاب السعودي تأهيلاً يستطيع معه مواجهة متطلبات القرن ال21 علمياً وثقافياً وحضارياً، ما يجعل برنامج الابتعاث يمثل مشروعاً تنموياً بحد ذاته، يسهم في تعزيز التنمية المستدامة في المملكة، التي رسم خططها خادم الحرمين الشريفين، ليكون الابتعاث الخارجي أحد العوامل الرئيسة في تنفيذ هذه الخطط والاستراتيجيات، وسوف تتضح معالمه وتجني ثماره الأجيال المقبلة. لقد تطلب تنفيذ رؤية واستراتيجية خادم الحرمين الشريفين في التعليم العالي وجود كفاءات تستطيع تنفيذ هذه الاستراتيجية وتحقق أهدافها، ولذلك كان لوزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري الدور الفاعل والحاسم والمؤثر في تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين واستراتيجيته، إذ وضع الخطة التنفيذية الطموحة والفاعلة لهذه الاستراتيجية، يساعده في تنفيذها نائبه المميز الدكتور علي بن سليمان العطية، الذراع اليُمنى في تطوير مشاريع التعليم العالي الإنشائية والأكاديمية، ووضعها على أرض الواقع، كما أن لوكيل الوزارة للابتعاث الخارجي الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الموسى، لمسات إبداعية في تنظيمه وتأطيره للابتعاث بشكل منهجي ليخدم الطالب والوطن، ويحقق رؤية خادم الحرمين الشريفين. سيسجل التاريخ لخادم الحرمين الشريفين بحروف من ذهب نتائج هذا المشروع التنموي الكبير، ونحن نرجو من قائد الوطن ووالد الجميع أن يستمر برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، إدراكاً لأهميته ودوره في التنمية المستدامة في هذا الوطن، وهو الاستثمار الحقيقي الذي سوف نجني نتائجه في المستقبل، ويحفظ لهذا الوطن ديمومته واستقراره، وينافس الأمم الأخرى في جميع المجالات، فالثروة الحقيقية التي نملكها هي الإنسان المسلح بالمعرفة والثقافة اللتين تساعدانه على الاعتماد على الذات وبناء شخصيته الفاعلة ليكون إنسانا منتجاً ورافداً من روافد تنمية هذا الوطن. لقد لفت انتباهي الدور الحيوي والمهم للأندية الطلابية السعودية في الجامعات الأجنبية، لتحسين الصورة الذهنية للمملكة، من خلال دعوة مسؤولي الجامعات والمجتمع المحلي الذي توجد فيه هذه الجامعات إلى المناسبات الوطنية والدينية للمملكة، وكذلك التفاعل مع المناسبات الوطنية والمجتمعية لهذه المجتمعات، إذ تكتسب هذه الأندية الصدقية لدى الجمهور المحلي والجامعي، لابتعادها عن الرسمية، التي تتحسس منها الجماهير الغربية، واكتسابها الصدقية لدى هذه المجتمعات، ما يزيد من فرصة التفاعل معها، وتوصيل رسالة المملكة وعكس صورتها الحقيقية المعتمدة على الحوار والتسامح ومعرفة الطرف الآخر واحترام خصوصيته ومعتقداته، وهو ما يهدف له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله في برنامجه الطموح للابتعاث الخارجي، بالتفاعل مع العالم بما يشجع على التسامح وفهم الطرف الآخر واحترام خصوصيته.إن الاستقبال الذي حظي به الوفد من الملحق والطلبة المتطوعين في العمل في الأندية الطلابية، يعكس الوعي والنضج الذي رأيناه في هؤلاء الطلبة في التنظيم والعمل التطوعي الذي كان رائعاً، وهو خير دليل على نجاح استراتيجية خادم الحرمين الشريفين في الابتعاث الخارجي، في صقل مهارات المبتعث من خلال ممارسته العمل التطوعي، الذي تفرضه عليه البيئة التي يدرس فيها، والأمثلة التي شاهدناها كثيرة جداً، فطالب الدكتوراه عمر العطاس من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، هو أحد هذه الأمثلة وغيره كثيرون ممن لا تحضرني أسماؤهم. يعد برنامج خادم الحرمين الشريفين اختراقاً حضارياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، في إستراتيجية المملكة التنموية، عززت من قدرتها السياسية والاقتصادية والحضارية لمواجهة متطلبات القرن ال21، وجعل منها رقماً لا يمكن تجاهله أو تخطيه في المعادلة الدولية السياسية والاقتصادية وحتى الحضارية، وأكسبها المزيد من الثقة بقدرات أبنائها، واحترام الدول والمجتمعات الأخرى لها، فالثروة الحقيقية للمملكة هي أبناؤها، وقدرتهم على تحدي المشكلات التي تواجههم في هذا العالم المتسارع في النمو والتغير.أعتقد وأكرر في هذا الإطار كلام الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الموسى أن الدولة لم تدخر وسعاً في سبيل نجاح الطلبة في مهمتهم من الابتعاث، والباقي هو عليهم، وذلك بالتواصل مع المجتمعات المحلية، وبذل كل الجهود للنجاح في مهمتهم والعودة للوطن مسلحين ليس بالعلم فقط، بل بالثقافة ومعرفة التعامل مع العالم الآخر، وكل هذا يتحقق من خلال الهمة والتنظيم والإصرار في تحقيق الهدف. المملكة الآن تملك نحو 70 ألف سفير حول العالم ليسهموا إسهاماً بناءً في تعزيز صورة المملكة العربية السعودية الإيجابية من خلال إسهاماتهم بالديبلوماسية العامة أو الشعبية التي بدأت تستخدم من الكثير من الدول لتحسين صورتها أمام الشعوب الأخرى، خصوصاً الدول الغربية منها.«وبالوالدين إحسانا»، «والشكر بعد الله لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين»، و«تحية للوزير وللنائب»، هذه الكلمات التي يستهل بها وكيل الوزارة للبعثات جميع لقاءاته مع الطلبة، محفزاً إياهم على التواصل مع الأهل وشكر ولاة الأمر.أخيراً: يقال لا تعرف الرجال وتخبرهم إلا بالسفر، فهنيئاً لوزارة التعليم العالي بمثل هؤلاء الرجال الذين رافقتهم، وأعتذر لعضو الوفد سلطان الصالح، الذي سقط اسمه سهواً في المقال الأول بوصفه عضواً في وفد الوزارة. * أكاديمي سعودي.