يبدو أن أدوار الإغراء في الأعمال الدرامية العربية صارت فلسفة قائمة بذاتها، لها قواعد وأصول، من دون أن تكون لها جذور لدى ما سبق أو ما سيلي تلك الأعمال، سواء تلك التي سمع عنها المشاهد، أو تلك التي لم – على الأرجح لن- يسمع عنها. برامج الحوارات الفنية، واللقاءات على هوامش الفعاليات السينمائية، وكواليس التصوير، ودهاليز المونتاج، وحتى مناسبات العرض الأول سينمائياً، واستنساخه تلفزيونياً، لا سيما بعد فشله المروع في دور العرض عامرة بقدر هائل من تنظيرات وسفسطة الإغراء. فكم مرة سمع المشاهد هذه الفنانة الضاربة في العمر تؤكد أن الإغراء قديماً كان مدعاة للاحترام، وأنه يختلف كل الاختلاف عن الإغراء اليوم. ففي الماضي، كان الإغراء «فناً غاية في الصعوبة»، و «تكنيكاً مفرطاً في التعقيد»، و «هدفاً سامياً لا تفهمه الأجيال الحالية». وكم من مقابلة أجريت مع فنانة تجاهد من أجل البقاء على الساحة وتذكير المخرجين باسمها ورقم هاتفها وسمعها المشاهد وهي تدلو بدلوها في شؤون الإغراء وأهدافه السامية، فهو «لون من ألوان الفن الذي يصعب على العامة فهمه»، و «شكل من أشكال الرقي الذي يسفّه الجهلاء منه». وكم من تبرير دفعت به هذه الفنانة التي تعرضت لهجمة شنعاء عقب قيامها بدور صنفه البعض بأنه «افتعال لمشاهد الإغراء تحفيزاً لشباك التذاكر»، وعارضه آخرون باعتباره «خروجاً غير مغفور لفنانة احترمها المشاهد وسمح لأفلامها بدخول غرفة جلوسه». وكم من ممثلة مبتدئة تنوي غزو مضمار الإغراء تشدقت بعبارة «لن أقدم الإغراء إلا إذا كان يخدم سياق العمل ويضيف إليه». وأبدع البعض في الفضائيات الدرامية والفنية في خدمة قضية الإغراء، وذلك بالإغداق علينا بمشاهد توضيحية لفن الإغراء، وذلك بهدف توضيح الصورة وتقريب المعنى. وتفنن آخرون في توثيق مسيرة الإغراء بين الماضي والحاضر، أو تأريخه منذ بدء السينما الصامتة وحتى اليوم، أو عقد دراسات مقارنة بين إغراء الشرق وإغراء الغرب والمفاضلة بينهما، وإيجاد أوجه الشبه والاختلاف حتى لَيُهَيَّأ للمشاهد أن الإغراء صار قضية أمة ومصير شعب. ولا مانع في استقدام علماء الاجتماع واختصاصيي الطب النفسي جنباً إلى جنب مع الفنانات المنتميات الى مدرسة الإغراء «المبرّر»، وذلك بهدف الغوص في أغوار الأبعاد الاجتماعية والنفسية للإغراء، ودوره العلاجي والنفسي. وقد تدور فكرة البرنامج حول الدور التنويري للإغراء، فيتحدث المثقفون والأدباء والشعراء عن دور الإغراء في تثقيف الأمم، وتنوير الشعوب. ولا يمكن إغفال دور الإغراء في السياسة، وكم من راقصة أو فنانة إغراء نجحت في تحويل أو تحوير مصير أمة بفضل «دورها العظيم» في علاقتها بهذا السياسي أو ذاك. وبما أننا ما زلنا في زحمة بداية العام، يمكن ابتكار حصاد جديد، ألا وهو حصاد تصريحات الإغراء. ولعل من أطرف هذه التعليقات كان «أقبل أدوار الإغراء الشيك فقط».