شهدت العاصمة السعودية الرياض حراكاً سياسياً على أكثر من صعيد خلال الأيام الماضية لفك الجليد عن المبادرة العربية للسلام التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة بيروت 2002. ويقود الملك عبدالله الدفة لجمع رأي عربي موحد تجاه القضايا الساخنة في المنطقة. ورأت الرياض أنه في ظل الأحداث المتلاحقة لا بد من وقفة عربية موحدة تجاه قضايا المنطقة، التي يأتي في مقدمها إحياء عملية السلام وتحقيق المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، والملف النووي الإيراني. وبدأ التحرك السعودي داخلياً وخارجياً، باستقبال ملوك وزعماء ورؤساء الدول العربية أو بإرسال وفود إلى بلدان أخرى. وتشمل التحركات جولة مكوكية قام بها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، استهلها بالكويت مروراً بالقاهرة واختتمها في دمشق. وأوفد خادم الحرمين الشريفين مساعد وزير الدفاع والطيران المفتش العام للشؤون العسكرية الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، ومساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية محمد بن نايف بن عبدالعزيز برسالة إلى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، تتعلق بالعلاقات الأخوية المتينة ومجالات التعاون المشترك بين البلدين على مختلف الأصعدة، إضافة إلى المستجدات وتطورات الأوضاع الإقليمية التي تهم البلدين والأمة العربية. وأكدت الرسالة متانة العلاقات بين البلدين والحرص على تعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة للشعبين. وأشارت إلى أن أمن اليمن والمملكة العربية السعودية يمثل منظومة واحدة متكاملة، وأن ما يهم أمن اليمن يهم أمن المملكة والعكس. وحمل رئيس الديبلوماسية السعودية الأمير سعود الفيصل رسالة شفوية من خادم الحرمين لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، تتعلق بالعلاقات الأخوية المميزة التي تربط بين البلدين والشعبين، والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية. وتوقف الفيصل في القاهرة لبحث الجهود العربية مع الرئيس المصري محمد حسني مبارك قبل توجّه وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط ورئيس المخابرات عمر سليمان إلى واشنطن، إعلانها الموقف العربي على الإدارة الأميركية قبل طرح رؤيتها للسلام، وكذلك استباق زيارة مبعوث الإدارة الأميركية للسلام إلى الشرق الأوسط السيناتور السابق جورج ميتشل الشهر الجاري. وكان وزير الخارجية السعودي التقى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل الاثنين الماضي في الرياض أكد المسؤول الفلسطيني في ختام اللقاء، أن الحركة في المراحل الأخيرة من تحقيق المصالحة مع حركة «فتح». وأكد الأمير سعود الفيصل في القاهرة تطابق وجهات النظر بين بلاده ومصر إزاء مختلف التطورات في المنطقة العربية. وقال الأمير سعود الفيصل في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع نظيره المصري أحمد أبوالغيط، عقب لقائه مع الرئيس المصري محمد حسني مبارك في شرم الشيخ ، وتسليمه رسالة من خادم الحرمين، إن المبادرة العربية ما زالت موجودة وجاهزة للتطبيق، معرباً عن اعتقاده بأن هذه المبادرة قادرة على إنهاء الصراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ولمصلحتهما. ووصف الأمير سعود الفيصل المبادرة العربية بأنها حزمة متكاملة لا يمكن تغييرها بأي حال من الأحوال. واختتم الوزير السعودي جولته المكوكية بزيارة دمشق، إذ التقى الرئيس السوري بشار الأسد، وسلمه رسالة من خادم الحرمين، تتعلق بالأوضاع الراهنة في المنطقة وسبل تعزيز التشاور والعمل في الإطار العربي لحل مشكلات المنطقة. وتناول الفيصل خلال اجتماعه بالرئيس السوري عدداً من القضايا، منها عملية السلام والعقبات التي تضعها إسرائيل في وجهها، واتفقا على ضرورة لمّ الصف العربي والعمل على تحقيق المصالح. وفي الرياض، وقبل أن يغادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس المملكة بعد أن عقد جلسة محادثات مع خادم الحرمين، وصل الرئيس السوداني عمر البشير الذي التقاه أيضاً الملك عبدالله في الرياض وتناولا المستجدات في المنطقة. وكان الرئيس المصري عقد اجتماعاً مع خادم الحرمين الشريفين قبل زيارة عباس والبشير. ولم يمض يوم واحد على مغادرة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين الذي التقاه خادم الحرمين الشريفين بعد اجتماعه في القاهرة مع الرئيسين مبارك وعباس، إذ تناولت القمة السعودية - الأردنية القضايا الساخنة، على رأسها السبل الكفيلة لإنعاش عملية السلام المجمدة، وطبيعة التحرك المستقبلي، لتعزيز التضامن العربي التي تتطلب مزيداً من التشاور والتنسيق للحفاظ على الأمن العربي، كما بحثت العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات بما يخدم مصالح البلدين والشعبين، إضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتطورات القضية الفلسطينية، والأوضاع في العراق ولبنان وموقف البلدين الشقيقين منها. وتأتي هذه المحادثات المتعددة في ظل تحركات عربية مكثفة لدفع عجلة السلام والوصول إلى حال من الاستقرار المنشود. وناقشوا دعم جهود إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة تعالج مختلف جوانب الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وتحقق السلام الشامل والعادل استناداً إلى حل الدولتين والمرجعيات المعتمدة، كما بحثوا ملف الحوار الفلسطيني الذي ترعاه القاهرة بهدف إنهاء حال الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني ورؤية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في هذا الجانب.