هجم البرد وبدأت نسماته تلفح الوجوه وتداعياته تظهر تباعاً على مختلف نواحي الحياة، حيث آثاره على الجسم كثيرة، مباشرة وغير مباشرة. وبعض الأمراض قد يوقظه البرد من سباته، وأخرى تشتد عوارضها. وفي السطور الآتية نتناول تأثير البرد على أربعة أعضاء في الجسم هي: القلب والرئة والمفاصل والجلد. البرد والقلب: تؤدي برودة الجو الى انكماش فوري في الشرايين خصوصاً تلك التي تقع على مقربة من سطح الجلد في الأطراف، وهذا أمر فيزيولوجي طبيعي يحاول الجسم من خلاله منع تبعثر حرارته وهدرها هباء. غير أن انقباض الشرايين يسبب ارتفاعاً مفاجئاً في أرقام ضغط الدم، الأمر الذي يخلق عبئاً إضافياً على القلب، وإذا كان الأخير معتلاً كان الله في عونه. صحيح أن الجسم يبادر الى تصحيح الوضع من أجل الحفاظ على درجة حرارته، إلا أن هذا الارتفاع الموقت في ضغط الدم يساهم في إيقاظ الذبحة الصدرية خاصة إذا كان الشخص مصاباً بتصلب الشرايين. تتظاهر الذبحة الصدرية بعدم ارتياح الشخص، وحس الثقل في الصدر، وألم في منطقة القلب ينتشر الى الذراعين أو الى الرسغين واليدين أو الى الفك السفلي، ومن مميزات هذا الألم ظهوره عقب القيام بالجهد، وهو يزول بالراحة أو بتناول الحبوب الموسعة للشرايين. وتشير الكثير من الدراسات في الدول التي تشهد هبوطاً ملحوظاً في درجات الحرارة الى ارتفاع معدل حدوث الأمراض القلبية الوعائية فيها بسبب البرد، وتعد السكتة القلبية سبباً رئيساً للوفاة في فصل الشتاء خصوصاً السكتات التي تحدث في ساعات الفجر الأولى. ما العمل لتفادي آثار البرد على القلب؟ الإجراءات الآتية مفيدة: 1- ارتداء ملابس شتوية كافية تحمي من البرد، على أن يتم خلعها أثناء التواجد في مكان دافئ. 2- البقاء في أمكنة تكون درجة حرارتها قريبة من العشرين. 3- تفادي التباينات في درجة الحرارة، وعدم الخروج فجأة من الجو الدافئ الى الجو البارد. 4- التخلص بسرعة من الملابس في حال تعرضها للمطر. 5- تقنين النشاط الرياضي في الطقس البارد. 6- في حال حدوث الألم في الصدر، خصوصاً في ساعات الصباح الأولى، يجب طلب الإسعاف من دون تردد. مع الحذر الشديد من أن الأزمة القلبية قد تأخذ أحياناً مظاهر هضمية تعطي انطباعاً أن المشكلة ليست في القلب مع العلم أن المشكلة الحقيقية هي فيه وليست في الجهاز الهضمي. البرد والجهاز التنفسي: تنفجر الأمراض التنفسية في فصل البرد، ولا غرابة في هذا، فالجهاز التنفسي هو الوحيد في الجسم الذي يكون على اتصال مستمر مع الوسط الخارجي من خلال عمليتي الشهيق والزفير. إن تدني درجة الحرارة يضعضع الدفاعات المناعية والذاتية للأغشية المخاطية التي تفرش المجاري التنفسية، وهذا ما يقلل من إمكاناتها لمواجهة الأعداء من الفيروسات والميكروبات التي تصبح في فصل البرد أكثرة قدرة على الغزو والانتشار. والمصابون بالربو هم الأكثر تعرضاً للخطر في فصل البرد، لأن الهواء البارد (خصوصاً الجاف) والتقلبات في درجة الحرارة تشكل دعوة مفتوحة للأزمة الربوية خصوصاً عند الأطفال الصغار. كيف السبيل لتجنب آثار البرد على الجهاز التنفسي؟ هناك جملة من النصائح على هذا الصعيد منها: 1- أخذ اللقاح ضد الإنفلونزا الموسمية وضد إنفلونزا الخنازير. 2- الوقاية من المكورات الرئوية بالتلقيح المناسب ضدها. 3- تجنب القيام بمجهودات طويلة في البرد الجاف. 4- تجنب الانتقال فجأة من الأجواء الحارة الى الأجواء الباردة. 5- على المصابين بالربو أن يحترزوا بأن يحملوا معهم الدواء الموسع للقصبات والعلاجات المناسبة للسيطرة على الأزمة الربوية في حال حصولها في شكل مباغت. البرد والمفاصل: إن جميع مفاصل الجسم خصوصاً مفاصل الركبتين، تتأثر بهبوط حرارة الجو وهجوم البرد، وأكثر المتأثرين هم المتقدمون في السن، وأصحاب الوزن المفرط، والذين يعانون من علل مفصلية تعرف في العامية بأمراض الروماتيزم. ومرض خشونة المفاصل (الأرتروز)، الذي تكون فيه الغضاريف المغطية لسطوح المفاصل مهترئة جزئياً أو كلياً، هو من أكثر المفاصل تأثراً بالبرد، وهذا الأخير لا يزيد من خشونة المفصل ولا يسببها، يزيد من درجة الإحساس بالعوارض الناتجة منه، خصوصاً الألم، أما لماذا يزداد الألم في البرد فالجواب عليه غير متوافر بعد لأن مرض الخشونة ما زال حتى الآن لغزاً محيراً، ولم يتوافر أي دواء يمكنه أن يمنع حدوثه. والبرد يحرض آلام الظهر والرقبة عند الذين يعانون منها، والسبب يعود الى تقلص العضلات والأربطة بفعل عامل البرودة. ومن لم يعانِ يوماً من تشنج وأوجاع في الرقبة اثر تعرضها الى «صفقة برد» كما يقال في العامية، الأمر الذي يحد من حرية حركة الرقبة في اتجاه معين لبضعة أيام لتعود بعدها الحركة الى سابق عهدها، ولكن ذكراها قد تظل طويلاً في الذاكرة. ما العمل لحماية المفاصل من آثار البرد؟ 1- توفير التدفئة اللازمة للمفاصل والأربطة. 2- تناول مضادات الالتهاب في حال ظهور الآلام في مرض خشونة المفاصل. 3- تفادي صفقات الهواء الباردة على الرقبة والظهر. 4- يمكن استعمال الكمادات الدافئة على المفاصل الموجوعة. البرد والجلد: هناك أمراض جلدية كثيرة تتأثر بالبرد، مثل الأكزيما، وحب الشباب، والنخالية الوردية، والصدفية والحساسية الجلدية وغيرها. وتعتبر قرصة البرد إصابة شائعة ويعود سببها الى المكوث طويلاً في الطقس البارد، وتتظاهر القرصة بهبوط شديد في حرارة الجسم، واحمرار الوجه والخدين (عند الطفل قد يعطي للأهل انطباعاً مخادعاً أنه في صحة جيدة)، وبرودة وتورم الأطراف خصوصاً القدمين واليدين. وتعد أكزيما أسفل القدم في الشتاء إصابة شائعة، يصبح فيها الكعب قاسياً كالحجر وتترافق مع الحكة، ويزداد حدوث هذه الإصابة كلما تقدم الشخص في العمر. إن تدفئة الأرجل، وشرب الماء، واستعمال المطريات، تعتبر من بين الحلول المفيدة. ولبرودة الشتاء دور في اطلاق العنان لظاهرة «رينولدز»، التي تطاول الشباب خصوصاً الإناث منهم، ويعود سببها الى تقلص غير طبيعي في الأوعية الدموية للأطراف الأمر الذي يقود الى شح موقت في الإمدادات الدموية لنهايات الأصابع، في اليدين والرجلين على السواء، فيتغير لونها الى الأبيض أو الأزرق، ومع تدفئة الأصابع يعود التدفق الدموي من جديد، فيتحول لون الأصابع الى الأحمر، ويعاني عندها المصاب من الألم والوخز والحكة. ولوقاية الجلد من البرد يُنصح بالآتي: 1- استعمال الماء الدافئ بدل البارد، ووضع القفازات، واستخدام الكريمات المطرّية. 2- حماية الشفاه من طريق وضع الكريمات الموضعية. 3- الحرص على التدفئة المناسبة في المنزل. 4- ارتداء الألبسة الملائمة الواقية من البرد. [email protected]