قضى علي أحمد العوى زهاء عشرة أعوام يتولى مهام الإشراف على مسجد الإمام علي بن أبي طالب في بلدة القديح (محافظة القطيف)، وزّع وقته خلالها بين توفير متطلبات المسجد ومرافقه، والوقوف على حاجات المصلين الذين يتوافدون عليه، ويملؤون أركانه في أوقات الصلاة، وبعض الفترات الأخرى. واعتبر العوى ما مر عليه يوم الجمعة الماضي «أصعب 45 دقيقة» عاشها، تنقّل خلالها بين جثة محترقة، وأخرى شوّهت وجه صاحبها الدماء، وثالثة بحاجة إلى إنقاذ من طريق التنفّس الاصطناعي. أحداث الجمعة الماضية أعادت ذاكرة العوى إلى أول يومٍ تولى فيه الإشراف على المسجد «متطوعاً لوجه الله». ففي اللحظة التي ضجّ فيها المكان بصوت الدويّ المفزع، وما تلاه من سقوط الركام، وارتفاع صرخات الجرحى، وانعدام الرؤية بسبب الغبار الكثيف، تحوّل إلى «جنديٌ مجهول»، وقام بدور الأمن والإسعاف في آن. ففي الناحية الأولى قام بنقل ثلاثة جرحى، وإنعاش اثنين آخرين. أما من الناحية الأخرى فقد قام بفتح الشبابيك، لتسهيل دخول الأوكسجين إلى المكان. وقال العوى ل «الحياة»: «أنا من كنت في الصورة المنتشرة، فقد كنت واقفاً، وقد أنهكني التعب». وذكر أنه لم يصب بأذى، موضحاً أن ما كان على ثيابه من دماء كانت نتيجة عمليات الإنقاذ التي قام بها، ونقل الجرحى والمصابين، مؤكداً أن الأمر «مرهق جداً، ولم نستطع الوقوف في أماكننا، فالمساحة مليئة بالجثث والركام وبقايا التفجير»، مشيراً إلى أن ذلك «أضعف التنفّس، ولم تكن هناك تهوية، أو وصول أوكسجين». وذكر أن حدوث الفاجعة كان في «وقت سريع وضئيل جداً، ففي غضون 45 دقيقة قمنا بنقل الجرحى ومحاولة إنقاذهم، والتنقل بين الجثث للتأكد من سلامة أصحابها، أو رحيلهم من الحياة». وقال: «حين أتأكد من وجود جثة ميتة، أنتقل للتي تليها، على أمل أن يكون صاحبها ما زال على قيد الحياة، لعمل التنفس الاصطناعي له بقدر ما أستطيع». وأضاف: «بعد الإفاقة من الصدمة، رأيت سحابة كثيفة من الدخان الأسود، بعد انطفاء الإنارة، وامتلأ المكان بالغازات الناتجة من المصابيح الكهربائية». وذكر العوى أنه حاول الذهاب إلى نوافذ جدران المسجد، لفتحها، والسماح للأوكسجين بالدخول إلى المسجد، لكنه فوجئ بأنها خالية من الزجاج في الأصل. وأردف أنه بعد ذلك قام باستغلال الوقت في إنقاذ المصابين والذين بلغ عددهم ثلاثة جرحى تم إخراجهم إلى خارج المسجد، وكذلك تفقد الشهداء الملقين على أرض المسجد، والتنقل إلى بعض الأشخاص والقيام بعمليات إنعاش القلب لهم وهما اثنان تحديداً «بحكم معرفتي في بعض المعلومات عن هذا الجانب من السابق». ولفت إلى أن وتيرة العمل على الإنقاذ كانت «سريعة جداً»، موضحاً أن الأمر «مرهق جداً». وأكد أن هناك أشخاصاً غرباء عن البلدة يأتون في فترات مختلفة لطلب المساعدات المالية والعينية من الأهالي، موضحاً أنهم من جنسيات مختلفة، وبخاصة في بعض المناسبات. وكشف عن أن هناك شخصين يرجح أنهما من الجنسية اليمنية كانا يطلبان مساعدات مالية أمام المسجد، في اليوم الذي سبق الحادثة، وتحديداً الخميس. وأوضح أن «ليلة الجمعة كان هناك شخصان أيضاً يطلبان مساعدات مالية». عودة الصلاة إلى المسجد أحيا أهالي القديح أمس الصلاة في مسجد الإمام ، وذلك بعد إزالة المخلفات التي سببها التفجير. وكان عدد كبير من أهالي البلدة قاموا بإجراء الصيانة بدءاً من أول من أمس، وتواصل العمل حتى يوم أمس، من دون انقطاع. وشهدت أعمال التنظيف مشاركة فرق من الدفاع المدني وبلدية القطيف، لإزالة الأشلاء المتطايرة وتنظيف الدماء التي انتشرت في أرجاء المسجد. كما قام الأهالي بإزالة الأسقف المستعارة وتركيب أجهزة تكييف جديدة. وشارك عدد كبير من كبار السن إلى جانب الشبان والأطفال في أعمال الصيانة، التي توجت بإقامة أول صلاة بعد الحادثة الدامية. فيما شهدت البلدة أمس استمرار تدفق المعزين من محافظات المنطقة الشرقية كافة وخارجها، وبعض الخليجيين. فيما حددت اللجنة اليوم الاثنين موعداً لتشييع جثث الشهداء. وتقرر تقسيم الجثث على عدد من مغاسل الموتى في محافظة القطيف، لتخفيف الضغط عن المغتَسل الرئيس لبلدة القديح. اللواء الطالب: مخططات الإرهابيين باءت بالفشل أعرب مدير شرطة منطقة القصيم اللواء بدر الطالب عن أسفه وشديد استنكاره للعمل الإجرامي «الآثم» الذي تعرض له أحد مساجد بلدة القديح (محافظة القطيف) وأدى إلى استشهاد وإصابة عدد من المواطنين الأبرياء، مشيراًَ إلى أن هذا العمل الدخيل والجبان يتنافى مع مبادئ ديننا الحنيف وقيمنا الإسلامية والإنسانية. وقال: «من يقف خلف هذا العمل الإرهابي هم أعداء للوطن حاولوا بث الفتنة وزعزعة الأمن ونشر الفرقة، إلا أن مخططاتهم باءت بالفشل الذريع والهزيمة النكراء»، مضيفاً «هذه الحادثة الإرهابية لن تزيد أبناء الوطن إلا التفافاً حول قيادته، وإصراراً على تعزيز لحمته الوطنية ونسيجه الاجتماعي، والوقوف صفاً واحداً وسداً منيعاً أمام كل عابثٍ أو حاسد يسعى للنيل من أمننا واستقرار بلادنا». 43 غادروا المستشفيات و12 حالة «حرجة» أوضحت المديرية العامة للشؤون الصحية في المنطقة الشرقية، أن 43 مصاباً في التفجير الإرهابي الذي استهدف مسجد الإمام علي، في القديح غادروا مستشفى القطيف المركزي أمس، وذلك بعد تماثلهم للشفاء، فيما لا تزال 42 حالة تتلقى العلاج في المستشفى، بينها 12 إصابة «حرجة». ويتم علاجها في قسم العناية المركزة وتحظى بالرعاية الطبية المناسبة لحالهم. وأوضحت «صحة الشرقية» أن عدد الوفيات لا يزال مستقراًً عند 21 وفاة، فيما عدد المصابين الذين تلقوا العلاج وغادروا المستشفى بلغ 43 مصاباً، وبذلك يكون إجمالي عدد المتوفين والمصابين 106 حالات. وأفادت أن «جميع الإمكانات تمت تهيئتها لعلاج المصابين، إذ استنفرت القطاعات الصحية كامل طاقاتها منذ اللحظات الأولى. وأعلنت حال الطوارئ في مستشفيات المنطقة. وفي سياق متصل، شرعت «صحة الشرقية» في تشكيل لجنة «الدعم النفسي والاجتماعي» لتباشر عملها في مركز الرعاية الصحية الأولية بالقديح، بدءاً من أمس. وتتكون اللجنة من استشاريين واختصاصيين نفسيين وصيادلة، إضافة إلى صرف الأدوية اللازمة عند الحاجة. ويستمر عملها ثلاثة أسابيع «بحسب تقويم الموقف، وما تقتضيه الحاجة». وسيقدم الأطباء الدعم النفسي للمصابين وأسر المتوفين وللأشخاص الذين كانوا موجودين في المسجد خلال وقوع الانفجار. وأوضحت «صحة الشرقية» أن «جميع الحالات مستقرة في ظل توافر الإمكانات، إذ تسير الأمور بشكلها الطبيعي في المستشفيات التي تقدم الخدمة للمصابين»، متمنيةً الشفاء العاجل للمصابين، والرحمة للشهداء الذين قضوا في الاعتداء الأثيم.