ليس غياب وجبات الشتاء السعودية راجعاً إلى ظاهرة التخفيف من الوزن، التي بدأ المجتمع السعودي يتنبه لها بعد تفاقم أمراض الضغط والسكري والسمنة، ولا إلى التخفيف من السكريات والدهون بل السبب فيه – بحسب أمهات سعوديات - غياب المهنية لدى الأسر الحديثة، وتقدّم النساء العاملات في منازلهن في السن. أصبح الشاب والشابة السعوديان لا يتعرفان في الشتاء على وجبات الحنيني والعفيس والمحلا والعريكة والفريك والملتوت والعصيدة، في حين تتحدث الأمهات اللواتي جاوزن ال 50 عن كيفية إعدادهنّ هذه الوجبات في صباحات ومساءات الشتاء، إذ يحضر رب المنزل من عمله الشاق ليجد السماط مزيناً بهذه الأطايب، ليتذكر أنّ ثمة خصوصية له في المنزل. وعوضاً عن ذلك، استعاضت نساء المدن الكبرى في السعودية عن دخول المطبخ نهائياً بعمل الخادمات، اللواتي ليست لهن بالطبع أية دراية أو خبرة بهذه الوجبات المهمة، والتي تعد خاصية من خصوصيات المجتمع السعودي، ولم يبق من الزوجات والأمهات من يقوم بهذا العمل الأسري الجميل سوى نساء القرى والأطراف النائية، إذ لم تنتشر ظاهرة الخادمات وجيل الوجبات السريعة هناك. تقول هيفاء عبدالله: «لم تعد في بيتنا أية ظاهرة غذائية مميزة للشتاء، فكل الوجبات التي أتناولها الآن وأقدمها لزوجي لا تتجاوز القرصان والجريش والرز واللحم، إضافة إلى إدامات الخضراوات العادية». ولا تجد أمينة طاهر أي حرج في القول: «في أسرتنا لم يعد لدينا ما يميزنا مناطقياً من حيث الوجبات الغذائية، الكل وقع في أسر الهمبرغر والمثلوثة وأكلات المطاعم الخارجية، وحتى الخادمات لم يعد لهنّ دور كبير في إعداد وجبات ما عدا تفريغ وجبات الإفطار من المعلبات أو عمل بعض السلطات، وعندما يأتي الضيوف إلى المنزل يتكفل زوجي بإحضار «المفطح» جاهزاً من المطبخ، وهذا ما جعل المطاعم في المدن أقوى سوقاً من أية بضاعة استهلاكية أخرى». ومن خلال الرجوع إلى موروثات الأسرة السعودية في العقود الماضية نسترجع أن أكلة «الحنيني» على سبيل المثال كان يطلق عليها «دواء البرد»، لكنها في الوقت الحالي صار يطلق عليها من الفتيات اسم «أكلة العجائز»، وعلى رغم سهولة المقادير وطريقة الإعداد فإن الحنيني لم يعد يلقى الرواج المطلوب، مع أن مكوناته تكاد تكون محفوظة للجميع، فهي لا تتعدى خبز البر العادي، يتم تقطيعه، وخلطه ثم يوضع عليه تمر من دون نوى ويضرب في الخلاط وتضاف إليه الزبدة. ومع ذلك فإن الزوج عندما يتحلب ريقه فلا بد له من الذهاب إلى الدكاكين الشعبية النادرة في المدينة لتحصيل أمر بسيط مثل هذا. كما أن نقل خبرة مثل هذه الوجبات السهلة ليس من الصعب على الخادمات، ما يؤكد أن ثمة عاملاً غير انقطاع تسلسل المعلومات بين الأجيال، وقد يرجع العامل في تجاهل الاهتمام بإحياء هذه الوجبات الغذائية الموسمية إلى النفرة من التراث، أو التطلع إلى ما هو جديد، ولو كان ذلك على حساب إهمال عادة أسرية بإمكانها أن تلفت انتباه أهل البيت الواحد إلى بعضهم بعضاً، وتشيع في لحظات الاجتماع عليها جواً من الألفة واستحضار الذكريات الغائبة في النسيان خلف حجب الماضي القاتمة، وللتأكد من صحة هذا الطرح يمكن لأي منا أن يسأل أي شاب أو فتاة سعودية عن الملتوت والمحلا والفريك؟ هل يعرفها أو حصل أن تذوقها ذات يوم؟