الخبرة ليست غالبة دائماً، وكرة القدم لم تعد تعترف بالمنطق، وباتت مهنة التدريب علماً متجدداً لا يرتكن إلى قواعد ثابتة، هذا ما أكدته مواجهات نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، التي تفوّق فيها الطلبة على الأساتذة، بعد أن عجز الإيطالي كارلو أنشيولتي والإسباني بيب غوارديولا، على رغم الرصيد المُذهّب لكل منهما، في التفوّق على مواطنيهما ماسيميليانو أليغري، ولويس إنريكي حديثا العهد بالمجد. 21 بطولة وإنجازات شخصية عدة أبرزها اختياره أفضل مدرب في أوروبا والعالم لأعوام 2009 و2011، كل ذلك وأكثر لم يمكّن مدرب بايرن ميونيخ الألماني بيب غوارديولا من التفوّق على مواطنه ورفيق دربه لويس إنريكي، الذي يقترب مع فريقه برشلونة لدخول المجد من أوسع أبوابه، وتحقيق أول ألقابه التدريبية، بعد أن عجز عن ذلك في تجاربه الماضية، إذ يفصل الفريق «الكاتلوني» عن لقب دوري أبطال أوروبا وكأس الملك وبطولة الدوري، انتصارين وتعادل فقط. وتمكّن برشلونة بقيادة إنريكي من إقصاء بايرن ميونيخ عن المسابقة الأقوى، بعد الفوز عليه ذهاباً بثلاثية نظيفة، إضافة إلى تسجيله هدفين في مباراة الإياب، التي انتهت لمصلحة الأخير بثلاثية إلا أنها لم تشفع له ببلوغ النهائي، ويقف إنريكي على بعد انتصارين وتعادل من الثلاثية التاريخية، حين يخوض مباراتيه المتبقيتين في مسابقة الدوري، إضافة إلى إطاحته بضيفه أتلتيك بيلباو في نهائي كأس إسبانيا، وختاماً والأهم التغلّب على يوفنتوس في نهائي دوري أبطال أوروبا، الذي يُلعب في العاصمة الألمانية برلين في السادس من الشهر المقبل. إنريكي الذي بدأ التدريب عام 2008 بصحبة بيب في فريق برشلونة (ب)، لم يفز في أية بطولة مع فرقه التي أشرف عليها قُبيل عودته إلى كتالونيا، فلم يكتب لتجربته النجاح خلال إشرافه على روما الإيطالي موسم 2011-2012 بعد أن أنهى «الذئاب» موسمهم في المركز السابع، ليعود إنريكي بعدها إلى «الليغا» وعبر بوابة سيلتافيغو هذه المرة، مقدماً أداءً هجومياً حصد به ثناء عدد من النقاد، حتى قاد صُنّاع الرأي في برشلونة إلى إعطائه الثقة بديلاً عن الأرجنتيني تاتا مارتينو. الفيلسوف الآخر، الذي أعاد يوفنتوس الإيطالي إلى الواجهة الأوروبية مجدداً، الذي يحظى بإشادات فنية واسعة هذه الأيام ماسيميليانو أليغري تمكّن من التفوق على الترسانة المدريدية الضخمة، وعلى مواطنه وأستاذه وأفضل مدرب أوروبي 2003 وعالمي 2007 العجوز كارلو أنشيلوتي، وصاحب ال17 بطولة خلال مشواره التدريبي، الذي انطلق من يوفنتوس بالتحديد قبل أن يمر بميلان الإيطالي وتشلسي الإنكليزي وباريس سان جيرمان الفرنسي لينتهي في ريال مدريد، كل هذا المخزون الذهبي لم يكفي الأخير للتفوّق على أليغيري، الذي لا يحمل في سجله أكثر من بطولتين مع ميلان وثالثة مع اليوفي بعد أن تأكد فوزه ب«الكالتشيو»، على رغم خبرته المتواضعة في البطولة الأوروبية. وتحكّم مدرب اليوفي في مباراتي الذهاب والإياب أمام ريال مدريد في نصف نهائي دوري الأبطال، بعد أن أنهى خطورة نجوم «الملكي» بفضل تماسك خطوطه الخلفية، وسلاسة وصول مهاجميه واختراقهم لدفاعات الخصم، ليبلغ «السيدة العجوز» المباراة النهائية بفضل فوزه ذهاباً بهدفين في مقابل هدف وتعادله بهدف لمثله إياباً، في مباراة كان بطلها الأكبر مهاجم يوفنتوس ألفارو موراتا، الذي أبعده أنشيلوتي قبل بداية الموسم عن تشكيلة «الميرنغي». ولم تكن الخبرة والتاريخ المميز كافية لترجيح كفة غوارديولا وأنشيولتي، في معركتهم التكتيكية أمام أبناء جلدتهما، بعد أن أصبح ما يقدمونه درساً يسهل حفظه وفهمه جيداً على إنريكي وأليغري، والأكيد أن أوروبا والعالم متلهف لمعرفة أياً من «المتلهفَيّن» سيقرأ الآخر أفضل، وسيعرف رسم الطريق المؤدي إلى «ذات الأذنين».