هاتف ذكي يتوهج في الظلام    شكرًا لجمعيات حفظ النعم    خريف حائل    الدفاع المدني يحذر من المجازفة بعبور الأودية أثناء هطول الأمطار    الدبلة وخاتم بروميثيوس    صيغة تواصل    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    نجد فهد: أول سعودية تتألق في بطولات «فيفا» العالمية    توطين قطاع الطاقة السعودي    أولويات تنموية    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    الأنساق التاريخية والثقافية    نورا سليمان.. أيقونة سعودية في عالم الموضة العالمية    محمد البيطار.. العالم المُربي    من المقاهي إلى الأجهزة الذكية    «إسرائيل» تغتال ال«الأونروا»    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    رحلة في عقل الناخب الأميركي    لوران بلان: مباراتنا أمام الأهلي هي الأفضل ولم نخاطر ببنزيما    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المواطن شريك في صناعة التنمية    الرديء يطرد الجيد... دوماً    مرحباً ألف «بريكس»..!    وبس والله هذا اللي صار.. !    لماذا مشاركة النساء لم تجعل العالم أفضل ؟    الأعمال الإنسانية.. حوكمة وأرقام    عسكرة الدبلوماسية الإسرائيلية    عن فخ نجومية المثقف    الذكاء الاصطناعي طريقة سريعة ومضمونة لحل التحديات    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    أندية الدوري الإسباني تساعد في جمع الأموال لصالح ضحايا الفيضانات    يايسله يُفسر خسارة الأهلي أمام الإتحاد    رسالة رونالدو..    النصر يلاحق العضو «المسيء» قانونياً    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الاتحاد    وزير الإعلام يعلن إقامة ملتقى صناع التأثير «ImpaQ» ديسمبر القادم    وزير الداخلية السعودي ونظيره البحريني يقومان بزيارة تفقدية لجسر الملك فهد    «الاستثمارات العامة» وسلطة النقد في هونغ كونغ يوقعان مذكرة تفاهم استثمارية    أمانة القصيم تكثف جهودها الميدانية في إطار استعداداتها لموسم الأمطار    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    المرشدي يقوم بزيارات تفقدية لعدد من المراكز بالسليل    أمانة القصيم تنظم حملة التبرع بالدم بالتعاون مع جمعية دمي    أعمال الاجتماع الأول للتحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين تواصل أعمالها اليوم بالرياض    الأرصاد: استمرار الحالة المطرية على مناطق المملكة    خدمات صحية وثقافية ومساعدون شخصيون للمسنين    جوّي وجوّك!    لا تكذب ولا تتجمّل!    «الاحتراق الوظيفي».. تحديات جديدة وحلول متخصصة..!    برعاية الملك.. تكريم الفائزين بجائزة سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه    معرض إبداع    مهرجان البحر الأحمر يكشف عن قائمة أفلام الدورة الرابعة    أحمد الغامدي يشكر محمد جلال    إعلاميون يطمئنون على كلكتاوي    الإمارات تستحوذ على 17% من الاستثمارات الأجنبية بالمملكة    جددت دعمها وتضامنها مع الوكالة.. المملكة تدين بشدة حظر الكنيست الإسرائيلي لأنشطة (الأونروا)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روبرت ليسي: ممتن لوزارة الإعلام لمنعها دخول كتابي إلى السعودية
نشر في الحياة يوم 29 - 12 - 2009

يحتفظ المؤرخ والصحافي الإنكليزي «روبرت ليسي» بذاكرةٍ دوّنت تاريخ السعودية على خط الزمن، وقرأت المجتمع بالعيش على طريقة السعوديين، بعيداً عن تقليدية زيارات صحافيي الغرب الخاطفة التي تتبنى المواقف وتكتبها قبل النزول إلى أراضي المطارات السعودية، مبتدئاً بسوداوية ما يظنه أخطاء سعودية ومنتهياً إلى لوحة بيضاء يكتب عليها مبادرات الإصلاح والتصحيح.
في كتاب ليسي الأول عن السعودية «المملكة»، بدأ برسم صورة البادية، ونقل إلى قرائه في لندن ونيويورك على بدايات السطور الأولى لون سماء الصحراء الرمادية وهوائها البارد، وصوت البدوي وهو ينادي على أحد صبيانه «دق المهباش يا سويلم».
انتقل روبرت ليسي ليتحدث عن «ابن سعود» ورفاقه في رواية فتح الرياض بتفاصيل لم ينقلها أحدٌ بالدقة ذاتها، حد الوصول إلى آثار رمح صديق ابن سعود وابن عمه «ابن جلوي» على بوابة «المصمك»، ليسرد الحكاية السعودية بكل أحداثها، مؤمناً بأن تاريخ السعودية هو تاريخ الملك المنتصر «ابن سعود»، وأن التاريخ يكتبه المنتصرون.
كتب المؤرخ الإنكليزي «المملكة» بالجمع بين دقة التاريخ ومتعة الصحافة، وانتهى كتابه الأول بعد كل اللقاءات الرسمية وتدوين الأحداث من ألسنة أصحابها إلى المنع، باعتراض وزارة الإعلام على 97 بنداً طلبوا منه أن يلغيها من كتابه من دون مناقشة أو حتى محاولة إقناع، وكعادة كل كتابٍ ممنوع في السعودية، نجح الكتاب وحقق أعلى المبيعات وصار «المملكة» مرجعاً في الغرب لمن يبحث عن السعودية ويحاول دراستها أو العمل فيها.
ومع خروج مصطلحات «الجهاد»، «القاعدة»، «السلفية»، «أفغانستان»، «ابن لادن» بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، عرف ليسي أن الوقت حان للعودة إلى السعودية، فهي الرابط المشترك بين المفردات واسمها حتماً سيرد يوماً ما.
عاد إلى المملكة وكتب من داخلها كتابه الثاني «داخل المملكة»، منطلقاً من قصة جهيمان ورفاقه.
ويقلب صفحات كتابه الأول، ومكتشفاً أن الأحداث التي عاصرها في زيارته الأولى جعلت من السعودية شيئاً آخر بحكم الظروف، ابتداء من الثورة الإيرانية واحتلال المسجد الحرام والغزو السوفياتي لأفغانستان ومعها بداية الجهاد الأفغاني.
في حواره مع «الحياة» يقول روبرت ليسي راجعت في «داخل المملكة» الحقبة الزمنية الأخيرة منذ مغادرتي للسعودية قبل 25 عاماً، كصديق أجنبي يقول لأصدقائه الحقيقة بإيجابياتها وسلبياتها.
ويعدد الأسباب التي قادت لارتباط اسم السعودية بأحداث سبتمبر 2001، ويسلط الضوء على الإصلاحات التي يقودها الملك عبدالله ويرعاها المجتمع السعودي بأمل التغيير... فإلى التفاصيل:
من «المملكة» إلى «داخل المملكة»... هل يحاول «روبرت ليسي» تكرار تجربة «جون فيلبي» في السعودية؟
- (ضاحكاً) ربما، إلى حد ما، فمن جهة الانغماس في المجتمع السعودي، هذا صحيح، فيلبي جاء إلى السعودية وتحول إلى الإسلام وتزوج عدداً من النساء، بينما أنا أطلقت لحيتي وشاربي ولبست اللباس البدوي وذهبت لزيارة البدو في الصحراء في الوقت الذي بقيت فيه على ديانتي، لكن من الجهة الأخرى، أدوارنا كانت مختلفة.
أنا بدأت قصتي مع السعودية عندما كتبت كتاب «ماجيستي (Majesty)» عام 1977، كسيرةٍ ذاتية للملكة إليزابيث الثانية، والذي صار الأكثر مبيعاً في وقتها والأشهر عن طبيعة الملكية في المملكة المتحدة.
كتبت «ماجيستي» بشيء من المغامرة، فالملكة إليزابيث الثانية لم تكن تستهوي أحداً، لكني اعتبرت الملكيات والعائلات المالكة حول العالم شيئاً ممتعاً ومثيراً للاهتمام، يحب الناس قراءته والاطلاع على تفاصيله، فحتى في الدول الديموقراطية هناك ملكيات. في أميركا - مثلاً -، يُعامل الرئيس الأميركي من شعبه ملكٍاً بمجرد دخوله البيت الأبيض وتحوله إلى الرئاسة.
ومع بداية السبعينات، بدأ العالم في تسليط الضوء على السعودية، فالنفط كان محور الاهتمام، وارتفاع أسعار النفط من دولارين في بداية تلك الفترة إلى 34 دولار جعل العالم يتحدث عن «السعودية»، «النفط السعودي»، وانطلقت المقالات في وسائل الإعلام تكتب عمن أطلقت عليهم لقب «شيوخ النفط»، وبدأت في إثارة المخاوف حولهم وحول دولتهم التي تملك معظم نفط العالم، عندها شعرت بأن الموضوع ممتع وجديد ويمكن الكتابة عنه، فالملكية في السعودية لم تكن رمزية بل كانت قوية وتملك نفوذاً كبيراً.
قدمت إلى السعودية للمرة الأولى عام 1978 زائراً، لأكتشف أن الزيارة لا تكفي لمعرفة السعودية، فكل الصحافيين يزورون السعودية ولن أختلف عنهم كثيراً، وتيقنت أن الطريقة الوحيدة لفهم هذا البلد لن تكون إلا بالقدوم والعيش فيه.
رتّب لي الأمير أحمد بن عبدالعزيز إقامتي في السعودية بوظيفة «مؤلف»، كُتبت على إقامتي، وهي المرة الأولى والأخيرة - بحسب ما أظن - التي تُمنح الإقامة السعودية تحت هذا المسمى. عشت سنتين في جدة، وسافرت في أنحاء المملكة، وعاصرت اللحظات المهمة في تاريخ السعودية في نهاية السبعينات «الثورة الإيرانية»، «احتلال المسجد الحرام»، «بدء الغزو السوفياتي على أفغانستان وبداية فترة الجهاد».
لماذا جئت إلى السعودية؟
- جئت لكتابة ما هو مختلف عن الكلام المكرر في وسائل الإعلام الغربي، وحاولت في فترة إقامتي أن أعيش الثقافة السعودية من الداخل، كما هي، لأفهمها قبل أن أقدمها إلى الغرب، وانتهت فترة إقامتي بإصداري كتاب «المملكة»، الذي انتهى بدوره إلى المنع من التوزيع في السعودية.
وانتهت علاقتي بالسعودية بعد نشر الكتاب ومنعه، لأتوجه إلى ديترويت في الولايات المتحدة وأبدأ في العمل على قصة عائلة «فورد». تجدني مهتماً بالكتابة عن العائلات وديناميكية الحركة في تاريخها، لأني أؤمن بأن للعائلات الكبرى حول العالم دوراً مهماً في صناعة التاريخ. ومع أحداث 11 سبتمبر 2001، لاحظت ظهور مفردات «الجهاد» و«الجهاديين» و«السلفيين» و«القاعدة» و«أفغانستان»، و«ابن لادن»، وبالنسبة إليّ كان الرابط المشترك بين كل هذه المفردات هو «السعودية».
عندها قررت العودة عام 2006 لكتابة «داخل المملكة»، والذي يحكي قصة السعودية خلال الفترة (1979– 2009)، وهو كتاب جديدٌ كلياً، يبدأ من حيث انتهيت في الكتاب الأول، ويقرأ الأحداث كلها، الجيد منها والسيئ، على حدٍ سواء.
حرصت في كتابة «داخل المملكة» على أن يكون هو المراجعة التاريخية من صديق أجنبي للسعودية، يوضح لهم الأمور على حقيقتها، الصحيح منها والخاطئ، وقدمت الكتاب بطريقة تراجع الأخطاء التي قادت إلى أحداث 11 سبتمبر، كما هي الحال مع مبادرات الإصلاح والأعمال التصحيحية التي قام ويقوم عليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
كتابي ممنوع
لمن يكتب روبرت ليسي إذا كانت كتبه تنتهي إلى المنع؟
- لا أخفي عليك أن أملي خاب كثيراً عندما علمت بخبر منع كتاب «المملكة» من النشر في السعودية، ولا سيما أني أرسلت كتابي إلى وزارة الإعلام لمراجعته وفسحه، قبل أن يعود ب97 ملاحظة واعتراضاً، تركزت على جوانب دينيةٍ وثقافيةٍ وسياسية.
قدمت الوزارة بعض الملاحظات في قضايا دينية، وأجبتهم بأني مسيحي وأنتم مسلمون، وأريدكم أن تخبرونني بما تريدون مني أن أكتب فلم أجد إجابة منهم، وكان اعتراضهم في الجانب الثقافي على اقتباسي من أحدهم عبارة «لا تثق في البدو أبداً».
تناقشت وإياهم في أن جزءاً كبيراً من قصة السعودية هو في الصراع بين المدينة والصحراء وفي العلاقة بين البدو والحضر، وكان ردهم أن هذا لا يصح وأن فيه إساءة إلى البدو في السعودية، وأخيراً اعترضوا على إيرادي لقصة الخلافات السياسية التي شهدتها السعودية في بداية الستينات في الجانب السياسي.
حزنت لمنع الكتاب، لكنني اكتشفت فيما بعد أن هذا المنع منحني فرصةً أكبر لنجاح الكتاب، وأنا الآن ممتنٌ لوزارة الإعلام، ف«المملكة» حقق أرقام مبيعات كبيرة في بريطانيا والولايات المتحدة وحقق سمعةً طيبة حول العالم بصفته كتاباً يتحدث عن الشأن السعودي.
كم اختلفت السعودية بين «المملكة» و«داخل المملكة»؟
- جئت بعد 25 عاماً من زيارتي الأولى للسعودية، وكان ممتعاً أن ترى الاختلافات الكبيرة في الرياض، مثلاً، أتذكر أني كنت أسكن في فندق «الخزامى»، وهو أحد أكبر فنادق الرياض في وقتها، الذي كان من الصعوبة أن تصل إليه خارج المدينة، بينما هو الآن في وسط الرياض، هذا على الجانب المادي والعمراني.
وجدت السعودية دولةً أكثر إسلاميةً، وكثير من النساء اللاتي قابلتهن كن يرتدين الحجاب باختيارهن بعد أن قابلتهن المرة الأولى يرتدين الملابس الغربية، وهو على عكس ما يظنه الغرب بأن الرجال يجبرون النساء على لبس الحجاب.
وجدت السعودية هادئةً، وصُدمت بعد عودتي بمساحة الحرية المتاحة للصحافة. صحيحٌ أن الصحف لا تنتقد الحكومة بشكلٍ مباشر، لكنّ هناك مساحةً للنقد، ومناقشة القضايا الاجتماعية صارت أكثر انفتاحاً، مثل مناقشة زواج الكبار من الصغار وإساءة معاملة الأطفال والنساء، وصار التعامل مع الخطوط الحمراء بمنطق أنها لا بد من أن توجد، وأن تُغير إذا كان تغييرها ممكناً ومقبولاً.
هل ترى هذا التغير «طبيعياً» يمر به أي مجتمع، أم أن السعودية كانت ستصبح «سعوديةً» أخرى لولا الأحداث التي مرت بها؟
- هذه الفكرة تحديداً هي «ثيمة» كتابي الأخير «داخل المملكة»، وأظن أن الأحداث التي مرت بالسعودية أثرت عليها فعلاً، ابتداء بالثورة الإيرانية واحتلال المسجد الحرام، والغزو السوفياتي على أفغانستان وبداية مرحلة الجهاد، وهي أحداثٌ قادت السعودية لأن تكون أكثر محافظة وأكثر تديناً، بعكس ما كان يظنه البعض من أن السعودية ستتحول بفعل النفط إلى دولة غربية وأكثر علمانية، بينما الحاصل أن التضخم النفطي ولّد تضخماً على مستوى التدين التقليدي.
عندما تنظر إلى الأحداث في الثمانينات، تجد أن مرحلة الجهاد جعلت من أسماء «ابن لادن» و«عبدالله عزام» أبطالاً إسلاميين، وصوّرتهم في صورة الأبطال الذين هزموا الاتحاد السوفياتي، وهو كلام صحيح إلى حد ما، لكن هذه الصورة جعلت حلم الشاب الصغير أن يذهب إلى جبال أفغانستان لحمل الكلاشينكوف، وهو ما وضع السعودية في تحدٍ كبير.
فبدلاً من أن توفر موازناتُ النفط الكبيرة فرصَ العمل للسعوديين، تجد أن الشباب نحوا منحى آخر واختطوا طريقهم إلى حمل السلاح والقتال في الخارج، في أفغانستان أولاً، ثم الشيشان والبوسنة والهرسك ودول شرق أوروبا.
جاءت حرب الخليج لتصنع تحدٍ آخر من خلال وجود القوات الأميركية على الأراضي السعودية، قبل أن تأتي أحداث 11 سبتمبر، والتي ظهر فيها ابن لادن منتقماً من عدوه البعيد «أميركا» في ظل عجزه عن الانتقام من العدو القريب «السعودية»، وكشفت عن خط الأيديولوجيا المتطرفة التي يسير عليها ابن لادن، والتي تكشفت بشكل أكثر وضوحاً مع هجوم «القاعدة» على أهدافها في «جزيرة العرب» عام 2003، وقصدها للسعودية تحديداً، وهو ما استدعى أن تنطلق داخلياً مبادرات الحوار الوطني والحوار بين الأديان وإصلاحات النظام التعليمي والنظام الاقتصادي، وتطوير أحوال الأقلية الشيعية على مستوى الحريات الدينية والداخلية في المجلس البلدي، وإتاحة الفرصة للجميع.
«المملكة» و قصة جهيمان
في الفصل الأول من «داخل المملكة» بدأت بقصة جهيمان... كم كان جهيمان مهماً في تاريخ السعودية؟
- كان مهماً جداً، فقد انتهى كتابي الأول «المملكة» بقصة جهيمان بعد أن كان الحدث الأخير أثناء زيارتي الأولى، فهو كان طالب المدرسة الدينية التقليدية، وكانت صدمة للجميع، ولا سيما أن جهاز المباحث اعتقل أكثر أتباع جهيمان ومنهم محمد القحطاني «المهدي» قبل أن يفرج عنهم باعتبارهم «مسلمين صالحين»، وأعطوهم الثقة.
وعندما احتل جهيمان وأتباعه المسجد الحرام في مكة كانت إشارة قوية على ما يمكن أن يفعله التشدد الديني. جهيمان نظر إلى الجانب الخطأ في التاريخ الإسلامي، بينما تجد أن الملك عبدالله يحاول الآن في تجربة الإصلاح التي يقودها أن يُعلم الناس أن ينظروا إلى الجانب الصالح في التاريخ الإسلامي، ومن ذلك فكرة الجامعة الجديدة «كاوست» على مثال «بيت الحكمة».
يعمل الملك عبدالله في هذه التجربة على استحضار الجوانب المبهرة في التاريخ الإسلامي، وكذلك هي الحال مع تجربة برنامج وزارة الداخلية لمناصحة المتشددين دينياً، والتي تستحضر تعامل المسلمين الأوائل مع المجانين، إذ كانت أوروبا في العصور الوسطى تقتلهم لأنهم في نظرها من عمل الشيطان، في الوقت الذي أخذ الأطباء المسلمون اتجاه آخر بمعالجتهم باعتبارهم مرضى تجب رعايتهم والاهتمام بهم، وهذا ما أحاول قوله على الدوام في حديثي إلى الغرب، بأننا لا بد من أن نتذكر أن الجامعات الأولى كانت إسلامية وأن علم الطب الأول كان إسلامياً وأنه لا بد من ألا ننسى ذلك.
هل «القاعدة» امتداد لجهيمان؟
- سأكون متردداً في رسم خط واحد من قصة جهيمان إلى قصة ابن لادن، ففكرة المهدي في حادثة جهيمان لم تكن على الإطلاق في صلب اهتمامات الإسلام، وابن لادن انتقد جهيمان وأتباعه في دخولهم المسجد الحرام بتلك الطريقة.
وعند معرفة أن كثيراً من أتباع جهيمان التحقوا بابن لادن في أفغانستان بعد خروجهم من السجن تتبين علاقة عدم الملاءمة بين الفكرين باستثناء التشابه الوحيد بينهما، في رفض الطرفين للعلاقة مع العالم الجديد وعدم فهمهم له.
كيف استطاع التشدد أن ينجو بنفسه طوال هذه المدة؟
- على رغم وجود فلسفة في الدين تُمد الفكر المتشدد وتتيح له فرصة العيش إلا أن هذا يحصل في كل الديانات، لكن الحقيقة أن السبب وراء نجاة هذه الحال المتشددة هو التخوف من العالم الجديد والمتطور، وعدم القدرة على استيعاب وقبول أبجديات الوضع القائم في العالم الجديد.
لم يكن أحدٌ ليتخيل في الستينات أن السعودية ستأخذ هذا الشكل المتدين، وتخيلت كل التحليلات أن السعودية ستتحول بلداً أقل تديناً، وهو ما لم يحدث.
حال التدين صارت أكثر أهمية في العالم، والأجنحة اليمنى تتخذ شعار الدين لإعطائها قوة أكبر، والسعودية بدورها تحاول أخذ أفضل ما في الغرب مع رفض الغرب، والجميل أنها تعرض هذا التطور حول العالم على ما هو موجود لديها في الإسلام.
مما رأيت... هل أثر التشدد في حياة السعوديين ومستقبلهم؟
- ذروة التطرف والتشدد ذهبت مع أحداث 11 سبتمبر، ونحن الآن ننزل مجدداً ونعود إلى الوضع الطبيعي على مستوى سلوك المجتمع. وفي النظام الأساسي للحكم في السعودية، تحكم البلاد أحكام الشريعة، وعليه فهذا هو وضع المجتمع، ولا بد من أن تعرف أن المجتمع متدين وأن التشدد حال طارئة عليه.
كيف يمكن أن تقلص الإصلاحات الأخيرة في السعودية مساحة التشدد للوسطية؟
- كما أقول دائماً إن حال التطرف تنشأ من الخوف، والطريقة الوحيدة لحلحلة هذا الخوف تكون بالمعرفة وصناعة مجتمع معرفي، والهدف الآن للسعودية ليس قيادة العلم والمعرفة في العالم بقدر ما هو تعليم الناس وفتح مداركهم على العالم، كما أن الناس بحاجة إلى الأمل في التغيير، وهو ما يراه السعوديون في الملك عبدالله.
الإصلاح والانسجام
مزيج الإصلاحين التعليمي والاقتصادي... إلى أي حدٍ هما منسجمان في السعودية؟
- منسجمان إلى حدٍ كبير، لكن التحدي يكمن في أن هذه الأعداد من الخريجين حالياً، وبشهادات علمية عالية، بحاجة إلى مزيدٍ من الوظائف، وإذا لم تفعل ذلك فإنك تصنع مشكلة أخرى، وعندها سيتجه هؤلاء إلى إيجاد طريقتهم الخاصة للعيش.
أرى الحركة في مجال إيجاد الوظائف واستيعاب أعداد الخريجين تسير بشكل بطيء، وفكرة العمل في الخارج ما زالت غير مفضلة عند كثير من السعوديين – على رغم أن عدداً من رجال الأعمال السعوديين يعيشون في الخارج -، إلا أن التحدي هو في استيعاب الخريجين الجدد بأفكارهم الجديدة.
هناك حاجة كبرى لتنويع الدخل في السعودية إلى جانب الإيرادات النفطية، وأرى أحدها في الاستفادة من مواسم الحج والعمرة، التي يمكن أن تخلق الكثير من الوظائف بجذب زوار السعودية لشعيرتي الحج والعمرة، لقضاء فترة أطول وزيارة المدن سعودية، والاستفادة من الكثافة العددية للقادمين لهذا الغرض.
على جانب آخر، تبدو فكرة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) والمدن الاقتصادية فرصة جديدة لتنويع الدخل وصناعة فرص وظيفية أكثر في السعودية، مع الأخذ في الاعتبار عدم تكرار تجارب سابقة، دبي مثلاً، لأنه من غير المنطقي أن يكون في المنطقة 6 مدن على مثال دبي، وهو ما لا أتمنى رؤيته في السعودية.
الجميل في السعودية أنها توفر حرية لرؤوس الأموال في الخروج من البلاد من دون قيود، ومع ذلك تجد أن رؤوس الأموال هذه، بشكل لافت للانتباه، لا تزال محافظة على موقعها في السوق السعودية، وفي أحيانٍ كثيرة تعود إلى السوق ذاتها بعد الخروج منها لوجود مساحة كبيرة من الحرية وفرص أكبر للنجاح.
ويمكن للسعودية أيضاً أن تعمل في مجالات أخرى مثل صناعة الطاقة الشمسية، والتي يمكن أن يستفاد من خبرة السعودية الناجحة في الصناعات التحويلية «البتروكيماويات» في مدينتي الجبيل وينبع.
ويبقى مهماً أن تعرف أن القضية لا يمكن أن يجيب عنها شخص واحد ولا حكومة واحدة بقدر ما هي قضية مجتمع والتزام اجتماعي بالوحدة نحو هذه القضية.
كيف تصف صورة السعودية في الغرب بعد 8 سنوات من أحداث 11 سبتمبر 2001؟
- أعتقد أنها ما زالت سيئة، لكن حالاً من الارتياح في الغرب من التزام السعودية المسؤول تجاه إدارة مواردها النفطية مثلاً، وتجاه التعامل مع الإنتاج النفطي الثابت حول مستوى 70 دولاراً أميركياً بشكل أكثر اتزاناً من غيرها من الدول.
من وجهة نظري، أعتقد بأن الصورة السلبية السيئة غير عادلة، ولتصحيحها لا بد من أن تنطلق من نقطة بدء، إذا أردت أن تصل إلى اللون الأبيض في الصورة السعودية فلا بد من أن تنطلق من اللون الأسود، لأنه لا يمكن أن تصبغ الأخطاء بمجرد الحديث عن اللون الأبيض. غضب مني البعض، مثلاً، لأني نقلت بعض وجهات النظر التي تقول بأن السعودية كان لا بد من ألا توجد، ولكن لا بد من شرح المحاولات السعودية القائمة للدخول في علاقات العالم المتطور والجديد، والتفاعل معها على رغم الصعوبات، وهو ما يجب أن أشرحه ويشرحه السعوديون انطلاقاً من نقطة بدء.
هل ينقص السعوديون شيئاً للتعريف بأنفسهم؟
- على المستوى الشخصي، أنا معجب بطريقة السعودية في تقديم نفسها، وعدم محاولة إظهار نفسها بشكل مبالغٍ فيه، إضافة إلى عدم محاولة استرضاء الآخرين. بعد أحداث 11 سبتمبر، عملت السعودية على تحسين صورتها بشكل بسيط ومتمهل، وبدأ العالم مع مرور الوقت في تفهم ذلك والتحول إلى الإعجاب بالرؤية السعودية ومبادرات الحلول التي قدمتها.
الحدث القضية «إيران»... إلى أي حدٍ بلغ تأثير الثورة الإيرانية في التاريخ السعودي حتى الآن؟
- يجب أن نعرف أن الثورات في العالم الغربي أخذت الناس إلى حال من التخلي عن الدين والميل نحو العلمانية، وفي الحال الإيرانية، حدث العكس، إذ أخذت الثورة المجتمع الإيراني إلى حال من التدين بالعودة بهم إلى الوراء، وهو ما لم يكن متوقعاً، وهذا بدوره جعل السعودية تتجه إلى حال من المحافظة والتدين، وهنا كان التأثير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.