رسّخت مقولة الأقدمين «ما ورا بيشة عيشة» انطباعاً عند أهل الجنوب بأن رخاء العيشة في مدينة بيشة من دون سواها،كونها اشتهرت بمزارعها الوافرة الإخضرار طوال العام، وبواديها الجاري بمياهه العذبة شاقاً المدينة إلى شاطئين رسمت الطبيعة على ضفافهما متكأً ومقاماً تحت ظلال النخيل. وبما أن المقولات والنظريات خاضعة للنقض لظروف خارجة عن إرادة واضعيها، فإن مزارع بيشة مصدر إنتاج تمور الجنوب لم تعد تسعف أهلها بما ألفوه من ثمار مزارعها، حتى في حدود الاكتفاء الذاتي، فالوادي الكبير جف من المياه، والسد المعجزة لا تحتفظ بحيرته الجافة إلا بركام من أتربة وطمي جرفتها السيول من أعلى جبال السراة عبر عقدين من الزمن، وسموق النخيل توارى، أرهقه امتطاء الجفاف فانحنى اعترافاً بصولة عوامل التعرية. ولم يجد أهالي بيشة بداً من بيع النخل المحتفظ ببعض حيويته هرباً من يباسه وانعدام منفعته، ما أغرى تجار وسماسرة النخيل بالحضور من دول مجلس التعاون الخليجي لشراء نخيل بيشة بسعر 200 ريال للنخلة الواحدة. ويرجع المزارع سعيد العفاس بيع النخيل بهذا السعر الزهيد إلى وجل المزارعين من موت نخيلهم أمام أعينهم، كون موجة الجفاف تحكم قبضتها على المحافظة منذ أعوام عدة، مضيفاً أن مكاتب تهجير النخيل تنتشر في محافظة بيشة بأعداد لافتة والشاحنات تنقل يومياً مئات النخيل إلى دول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً قطر والإمارات. وأوضح مدير فرع الزراعة في محافظة بيشة المهندس سالم القرني أن من حق أي مزارع أن يبيع نخيل مزرعته متى خشي عليها اليباس، لافتاً إلى أن دورهم الإرشادي يقتصر على مساعدة ملاك المزارع القائمة وتطوير مهاراتهم في استعمال تقنية الري الحديث ومنها الري بالتنقيط إلا أن البعض يتفادى احتراق نخله ببيعه والحصول على مقابل مادي يعوضه بعض خسائره. وأشار إلى أن الشراء لا يقتصر على بعض الدول الخليجية بل حتى أمانات المناطق السعودية التي تسعى إلى تزيين شوراعها الرئيسة بأشجار النخيل، مؤكداً أن فرع وزارة الزراعة لن يتخلى عن دوره في خدمة المزارعين إلا أنه لا يملك الحق في منعهم من بيع نخيل مزارعهم.