يستأنف اليوم الحوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» في جلسته ال11 برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري ممثلاً بمعاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل، على وقع استعدادات الحزب لشن هجوم ضد «جبهة النصرة» و «داعش» في منطقة القلمون السورية بالتعاون مع الجيش النظامي في سورية، فيما يراوح الوضع السياسي اللبناني مكانه لأن التطورات السياسية والعسكرية تجري في مكان آخر في المنطقة. ويطرح استعداد «حزب الله» لشن حرب قد تكون الأوسع ضد المجموعات المسلحة في القلمون مجموعة من الأسئلة، إلا إذا كان يهدف الى الضغط لمنع هذه المجموعات من أن تتمادى في المعارك التي تخوضها ضد النظام في سورية. ومن أبرز هذه الأسئلة - كما تقول مصادر سياسية - مواكبة لمضي «حزب الله» في استعداداته والتي بلغت ذروتها في الساعات الأخيرة، خصوصاً أنه أعلم حلفاءه نيته خوض هذه المعركة التي يتعامل معها على أنها حاسمة: 1 - هل أن لتوقيت المعركة التي يتحدث الحزب عن أنها حاصلة لا محال علاقة بتراجع الجيش النظامي في أكثر من موقع لمصلحة قوى المعارضة السورية وبالتالي سيكون مضطراً لخوضها لتوفير الحماية لدمشق والمناطق المحيطة بها خوفاً من تغلغل المعارضة فيها؟ اسباب عابرة للحدود 2 - سبق للحزب أن لوّح منذ أشهر عدة بأنه يستعد لخوض حربه ضد المجموعات المسلحة «التكفيرية» في منطقة القلمون المحاذية للحدود اللبنانية لوقف تغلغلها الى الداخل اللبناني الذي كان وراء عمليات التفجير التي استهدفت أكثر من منطقة، إضافة الى مواقع الجيش اللبناني في جرود عرسال، لكن الجيش نجح في شل قدرة هذه المجموعات على التخريب وتمكن بالتعاون مع شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي من تفكيك خلاياها النائمة في ظل افتقادها حاضنة يمكن أن توفر لها الحماية، وبالتالي لم يعد من أسباب موجبة لهذه الحرب إلا إذا كانت عابرة للحدود اللبنانية الى العمق السوري. 3 - من يضمن، في حال حصول هذه الحرب، ألا تكون لها ارتداداتها الأمنية على الساحة اللبنانية بدءاً بتبادل القصف المدفعي والصاروخي بين الحزب والمجموعات المسلحة واحتمال أن يطاول بلدات بقاعية تتجاوز البقاع الشمالي الى مناطق أخرى في البقاع؟ 4 - هل تساهم هذه الحرب في تنفيس الاحتقان السني - الشيعي الذي لا يزال يتصدر جدول أعمال الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» أم انها ستدفع في اتجاه ارتفاع منسوب التوتر الطائفي والمذهبي، خصاصاً أن أسبابها لم تعد قائمة كما كانت في السابق في ضوء شل قدرة هذه المجموعات الإرهابية على تهديد الاستقرار العام في البلد؟ مصير العسكريين 5 - ماذا سيكون مصير العسكريين المخطوفين لدى «النصرة» و «داعش» ومن يضمن سلامتهم من أي رد فعل يستهدفهم في ضوء تهديد هؤلاء من قبل المجموعات المسلحة بالثأر منهم، لا سيما أن المفاوضات للإفراج عنهم عالقة أمام «قطبة مخفية» وليس في مقدور المتابعين للملف إيجاد تفسير لأسباب تأرجح المفاوضات بين هبة باردة وأخرى ساخنة. 6 - والأهم، الموقف الذي ستتخذه قيادة الجيش من خلال وحداتها المنتشرة ما بين جرود عرسال ورأس بعلبك حيال التطورات الأمنية والعسكرية المترتبة على الحرب التي يخوضها الحزب ضد المجموعات المسلحة، علماً أن المصادر المواكبة نفسها تبدي ارتياحها الى موقف قائد الجيش العماد جان قهوجي وتعتبره ضمانة لعدم إقحام المؤسسة العسكرية في هذا الصراع، خصوصاً أن وحدات الجيش لن تتهاون إزاء أي محاولة لهذه المجموعات التغلغل في المناطق الخاضعة لها الى داخل الأراضي اللبنانية، إضافة الى أنها مولجة حماية الحدود في أماكن انتشارها والحفاظ على التهدئة ومنع أي إخلال بالأمن؟ لذلك، فإن الضغط الإعلامي والسياسي الذي يروّج له الحزب في خوضه حرباً ضد هذه المجموعات يطرح سؤالاً محورياً: هل يقف عند حدود التلويح بها وصولاً الى تعزيز انتشاره في مواجهة المناطق التي تسيطر عليها أم أنه سيدخل بقوة الى جانب النظام في سورية في الحرب بغية شل قدرة هذه المجموعات على تهديد حليفه في منطقة نفوذه في دمشق وأطراف محيطة بها؟ لكن مواصلة الحزب قرع طبول الحرب ضد «التكفيريين» لن تصرف الأنظار عن الجمود المسيطر على الوضع الداخلي الذي يفترض أن يتعرض إلى خرق على خلفية انضمامه إلى حليفه رئيس «تكتل التغير والإصلاح» النيابي ميشال عون في رفضه التمديد للقيادات الأمنية والعسكرية وإصراره على تعيين من يخلفهم في مراكزهم، لا سيما أن هذا الاستحقاق بات على الأبواب مع اقتراب إحالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص على التقاعد في حزيران (يونيو) المقبل. أما لماذا قرر «حزب الله» أن يصرف النظر عن تأييده التمديد للقيادات الأمنية والعسكرية من أجل التموضع الى جانب عون في موقفه وهل له علاقة بتهديد الأخير حلفاءه بأنه سيتخلى عنهم إذا ما تخلوا عنه. أم لحاجته إلى غطائه السياسي وهو يعد العدة لحربه في القلمون؟ وتقول مصادر سياسية إن الحزب ارتأى أن «يبيع» حليفه عون مواقف من كيس الأخير طالما أن تعيين قيادات عسكرية وأمنية لا يزال مستبعداً حتى إشعار آخر. عون للحريري: تعيين الصهر وتكشف المصادر أن عون كان صارح زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري في اجتماعهما في بيت الوسط لمناسبة عيد ميلاد «الجنرال» بأنه يريد تعيين صهره العميد ميشال روكز قائداً للجيش، وهذا ما يخالف قوله في أكثر من مناسبة أنه لم يرشح صهره لهذا المنصب. وتؤكد المصادر أن الحريري لم يقفل الباب في وجه طلب عون وقال له إن هذا الموضوع يجب أن يناقش مع الآخرين، وتقول إن لا صحة لما يروّج من أن «الجنرال» ينتظر جواباً من الحريري سيبلغه إياه من خلال أحد مستشاريه فور عودته من واشنطن. وتقول المصادر أيضاً إن مستشار الحريري، النائب السابق غطاس خوري كان زار عون قبل أن يتوجه الى واشنطن ليكون في عداد الوفد المرافق لرئيس الحكومة السابق، وتؤكد أنه لم يحمل معه جواباً من الأخير يتعلق بتعيين روكز قائداً للجيش. وفي المقابل، تعتقد مصادر أخرى أن اسم روكز كمرشح لقيادة الجيش يطرح للتفاوض في حال اتخذ عون قرار العزوف عن خوض الانتخابات الرئاسية بذريعة أن رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش ومعهما وزارة الخارجية لا تسلم لفريق سياسي واحد. وتضيف أن الكرة الآن في ملعب عون وأن جوابه على هذا الاقتراح لن يكون من خلال هروبه إلى الأمام بقوله إنه لم يرشح صهره لقيادة الجيش. وتعزو السبب إلى أن أحداً في لبنان لا يسلّم بأن تكون «الترويكا» المتمثلة برئاسة الجمهورية وقيادة الجيش والخارجية من نصيب «التيار الوطني الحر». وتؤكد المصادر أن الحوار بين «المستقبل» وعون لم يعد كما بدأ في السابق من دون أن يعني ذلك أن التواصل مقطوع بينهما، وتعزو السبب الى أن إحراز تقدم في هذا الحوار يتوقف على إجابة «الجنرال» عن مجموعة من الأسئلة التي هي في الأساس بمثابة هواجس تتعلق بموقفه من المحكمة الدولية وسلاح «حزب الله» في الداخل ومشاركته في القتال في سورية إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد. وتتابع إن عون لم يكتف بعدم تحديد موقفه من هذه الهواجس. وإنما ذهب بعيداً بتأكيده أن تحالفه مع «حزب الله» هو تحالف وجودي، مع انه أتيحت له فرص عدة لتمييز موقفه عن «حزب الله» لكنه لم يحسن التقاطها وتوظيفها ليقدم نفسه مرشحاً توافقياً قادراً على أن يكون جامعاً بين اللبنانيين. وترى هذه المصادر أن عون أظهر مرونة في بعض المواقف الداخلية ظناً منه أن هذه التسهيلات تعبد له الطريق أمام وصوله الى قصر بعبدا على رغم أنه يعلم بأن مشكلته تكمن في أن الآخرين يصنفونه من خلال تحالفه مع «حزب الله» على أنه من ركائز أطراف «الممانعة» في لبنان إضافة الى أنه يدرك أن ليس المطلوب منه الانقلاب على حليفه بمقدار ما أن التحاقه به بعدم اعتراضه على بعض مواقفه يدفع بالآخرين الى التعاطي معه على أنه فريق يفرض عليهم الحذر من خياراته السياسية.