وضع الرئيس الأميركي باراك أوباما «اتفاق الشراكة عبر الهادئ» على نار حامية، فهو يسعى إلى حصر حق الكونغرس بالمصادقة عليه بالتصويت بنعم أو لا من دون الدخول في تفاصيل بنود الاتفاق أو تعديلها، كما يحض زعماء الدول الساعية إلى الدخول في الاتفاق على الحصول على مصادقات داخل بلدانهم. في واشنطن، أقرت اللجان الفرعية في الكونغرس، استناداً إلى الغالبية الجمهورية وبعض المشرعين الديموقراطيين، قانوناً يخوّل الإدارة التفاوض باسمه، ويُتوقع أن يُطرح على التصويت أمام الهيئة العامة في أي من الأيام ال16 التشريعية قبل ذهاب الكونغرس إلى عطلة عيد الشهداء في 25 أيار (مايو) المقبل. و «اتفاق الشراكة عبر الهادئ» هو اتفاق تجارة حرة يضم 12 دولة في طليعتها الولاياتالمتحدةواليابان، وهما الاقتصادان الأول والثالث في العالم بحجم ناتج محلي يبلغ 17.5 تريليون دولار و4.6 تريليون على التوالي. وتمثل الدول ال12 نحو 40 في المئة من الاقتصاد العالمي. في هذا السياق زار رئيس حكومة اليابان، شينزو آبي، العاصمة الأميركية حيث التقى أوباما، وتمحورت اللقاءات بينهما حول دخول طوكيو في المعاهدة. ونقلت المصادر الأميركية المتابعة أن «آبي وعد باستخدام رصيده السياسي لدفع اليابان إلى الدخول في الاتفاق». وكان رئيس الحكومة الياباني جعل من انضمام بلاده إلى الاتفاق محور إعادة انتخابه نهاية عام 2012، وهو يتمتع بتأييد واسع في ذلك على رغم معارضة قطاعات يابانية ذات نفوذ، خصوصاً مصانع السيارات والزراعة. ولطالما عانت الولاياتالمتحدة من حماية اليابان لأسواقها في وجه المنتجات الأميركية، خصوصاً المنتجات الزراعية والسيارات، حيث تصل الرسوم الجمركية على بعض السيارات الأميركية في اليابان إلى 700 في المئة. ويعتقد الخبراء الأميركيون أن اتفاق تجارة حرة مع اليابان يصب حتماً في مصلحة أميركا، إذ إن أسواقها مفتوحة أصلاً أمام المنتجات اليابانية، فيما الأسواق اليابانية مغلقة أمام المنتجات الأميركية، ما أدى إلى عجز تجاري أميركي مزمن مع اليابان، بلغ 73 بليون دولار عام 2013 و69 بليوناً العام الماضي. وكتب الصقطب الجمهوري في الكونغرس والمرشح السابق لمنصب نائب الرئيس بول ريان، أن من شأن المعاهدة أن «تحطم العقبات التجارية التي تمنع الصادرات الأميركية من دخول عدد كبير من الأسواق الآسيوية». وفي مقال في صحيفة «واشنطن بوست»، كتب ريان: «مع حلول عام 2030، يُتوقع أن يصبح تعداد الطبقة الوسطى في آسيا 3.2 بليون شخص، ما يعادل 10 أضعاف الرقم المتوقع للطبقة الوسطى في أميركا الشمالية». وأضاف: «إذا كنا نريد خلق وظائف في الولاياتالمتحدة، فعلينا أن نصنع أشياء أكثر هنا ونبيعها حول العالم، خصوصاً في آسيا». وعلى رغم الزخم الذي يحوزه «اتفاق الشراكة عبر الهادئ» داخل الولاياتالمتحدة، إلا أن الرئيس الأميركي ما زال يواجه معارضة شرسة، خصوصاً من أكثر الفئات المحسوبة عليه، أي المجموعات «اليسارية» و «التقدمية»، ما دفع مشرعين وزعماء في حزبه الديموقراطي من أمثال السيناتور عن ولاية ماساتشوستس إليزابيث وارن، إلى شن هجوم ضد الاتفاق وضده شخصياً، واتهامه بالتفريط بمصلحة الطبقة الوسطى الأميركية وبوظائفها بفتح الأسواق الأميركية أمام بضائع أرخص تأتي من الخارج. ويبدو أن هذا الهجوم أثر في أوباما الذي لا يعير منتقديه أهمية في العادة، فشن هجوماً مضاداً وحاول تصوير الاتفاق على أنه مصيري، فقال في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال»: «ما لم نكتب نحن القوانين، ستكتبها الصين في المنطقة، وسنخرج منها، ما يعني خسارة وظائف أميركية». وقال الرئيس الأميركي أنه يأخذ الهجوم اليساري ضد الاتفاق على أنه هجوم شخصي موجه ضده، وقال: «ما آخذه شخصياً ضدي هو أني بعد ست سنوات ونصف السنة من العمل لإخراج اقتصادنا من الخندق الذي كان وقع فيه من طريق تقوية ملكية البيوت للطبقة الوسطى، وإعادة تعويم برامج التقاعد، والعمل على تحسين برامجنا التدريسية وإنشاء برامج تدريب مهنية، والقتال من أجل رفع الحد الأدنى للأجور، والقتال للحفاظ على قطاع صناعة السيارات، وبعد كل هذا العمل الذي قمت به وقمنا به سوية من أجل استقرار أكبر للطبقة الوسطى، يأتيني خصوم ويحاولون القول أنني أعمل على تدمير هذه الطبقة أو تدمير الديموقراطية هو قول غير واقعي، وهم يعرفون ذلك».