تكاد قوى المعارضة السورية تعلن محافظة إدلب وسط البلاد وشمالها المحافظة الأولى التي تقع تحت سيطرة قوى المعارضة بالكامل بعد محافظة الرقة شمال شرقي سورية، والتي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية «داعش». خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفي معركة أطلق عليها اسم «معركة النصر» خاضت تشكيلات سورية معارضة مختلفة معارك ضارية، وتمكنت من دخول مدينة إدلب التي كانت تسيطر عليها قوات الأسد. واستمرت المعارك في الأيام التالية، ليتمكن الثوار وفي مفاجأة للجميع وفي مقدمهم أنصار النظام السوري، من السيطرة على مدينة جسر الشغور شمال غربي البلاد، وإعلانها منطقة محررة بالكامل، بعد أن تهاوت حواجز النظام فيها الواحد تلو الآخر. تكمن أهمية محافظة إدلب في شكل عام، في كونها تمتد على الشريط الحدودي بين سورية وتركيا، وهو الممر الذي طالب السوريون في جعله ممراً آمناً محمياً بقوات دولية، يستطيع النازحون السوريون التجمع فيه، وهو شيء لم يحدث على يد القوات الأممية، بل تمكنت قوى المعارضة من تحقيقه، بما يعني ضمان خط آمن يصل الشمال السوري بالعالم الخارجي. سقوط مدينة جسر الشغور بيد قوات المعارضة، تكمن أهميته في أن المدينة تعد البوابة الأهم باتجاه الشريط الساحلي الذي يعتبر منطقة مناصري الأسد، وسقوط المدينة في يد قوى المعارضة، يعني أن الطريق باتجاه مدن الساحل بات مفتوحاً أمامها. لا تقتصر العمليات العسكرية التي تخوضها قوى المعارضة على محافظة إدلب، بل تمتد باتجاه سهل الغاب في ريف حماة الغربي وريف اللاذقية الساحلية وريف إدلب، أي في المثلث الذي يعد الأهم بعد العاصمة دمشق وريفها. أيضاً تمكنت قوى المعارضة من السيطرة على مجموعة من القرى والبلدات في ريف حماة وتحديداً في سهل الغاب، والذي يمتد بين جبال اللاذقية غرباً وجبل الزاوية شرقاً وجسر الشغور شمالاً ومصياف جنوباً، حيث كانت «حركة أحرار الشام الإسلامية» و «صقور الغاب» و «صقور الجبل» و «صقور الشام» و «جبهة شام» و «أجناد الشام» و «جبهة صمود» تمكنت من السيطرة على قرى السرمانية وتل واسط والقاهرة والمنصورة والزيارة في سهل الغاب. وتأتي السيطرة على هذه المنطقة من جانب قوى المعارضة استكمالاً للطوق الذي يتم ضربه في محيط مدن الساحل السوري. الملفت في مجريات المعارك الجارية في «مثلث المنطقة الوسطى»، هو أهمية هذه المنطقة عبر امتدادها على الحدود السورية الشمالية من جهة، ومتاخمتها للشريط الساحلي من جهة أخرى، بينما تشير دلالات ما يجري إلى أن الموازين العسكرية بين قوى المعارضة وقوات النظام في طريقها إلى التغير، هذا إن لم نقل أنها تغيرت بالفعل. فعلى رغم أن قوات النظام استخدمت في هذه المعارك كل ما تمتلكه من أسلحة متطورة، منها المدرعات بأنواعها، والقصف الذي يبدأ بمدافع الهاون ولا ينتهي بصواريخ أرض أرض الثقيلة والمدافع البعيدة المدى إضافة إلى غطاء من الطيران الحربي والمروحيات، لم تتمكن من الصمود، وهو ما يشير إلى بدء تآكل القوات البشرية للنظام، والتي تمكنت من الصمود على جبهات القتال لما يقرب من أربع سنوات. كما أنه من الملفت في معارك مثلث المنطقة الوسطى، غياب قيادات إيرانية ومقاتلي ميليشيا «حزب الله» عن هذه المعارك، على رغم أن النظام السوري خاض غالبية عملياته العسكرية الاستراتيجية بمساعدة مقاتلي «حزب الله» وبقيادة ضباط إيرانيين، كما يحدث على الجبهة الجنوبية من سورية أو في منطقة القلمون وغيرها من المناطق الاستراتيجية، وهي ملاحظة حاسمة الأهمية، فهل ثمة تراجع للدور الإيراني وميليشياه في الصراع الدائر؟ أم إنها في مجملها تخوض معارك في محيط مدينة حلب وفي القلمون بالقرب من دمشق وفي المنطقة الجنوبية، وهو ما أدى إلى استنزافها بالكامل؟ أياً يكن الأمر، فإن المساحة التي يسيطر عليها نظام الأسد باتت في طريقها إلى التقلص، وتبدو قواته اليوم عاجزة عن الصمود على الكثير من الجبهات التي فتحتها عليه قوى المعارضة، والتي نجحت في توحيد جهودها وخوضها المعارك بتنسيق مشترك بين فصائلها، وهو أمر كان غائباً في السنوات الماضية، كما أن امتلاك قوى المعارضة مضادات الدروع التي شهدنا استخدامها في هذه المعارك الأخيرة، أثبت أن التغير في نوع السلاح وامتلاك المعارضة النوعيَّ منه سيغير موازين الصراع العسكري وهو ما طالبت به المعارضة المسلحة منذ نشوب المعارك ضد قوات النظام السوري.