قبلات الرئيس سعد رفيق الحريري للرئيس السوري بشار الأسد أظهرت ان الحريري الابن يملك اعصابا من حديد وقوة إرادة كبيرة للنجاح كرئيس حكومة لبنان. فلا شك ان سعد رفيق الحريري بذل جهداً ضخماً على نفسه بعد أربع سنوات من مقتل والده لإجراء هذه المصالحة في دمشق. فسعد الحريري أثبت لبلده لبنان اولاً وللأصدقاء العرب انه رجل دولة يستطيع تجاوز مشاعره الشخصية وطمسها في العمق والقيام بخطوات لفتح علاقة جديدة بين لبنان وسورية. فرهان الحريري وريث والده الشهيد رفيق الحريري الذي سقط في سبيل وطنه هو تحويل العلاقة اللبنانية – السورية الى علاقة دولة مع دولة جارة شقيقه ومهمة. ومن هنا حرص ان تكون تصريحاته من سفارة لبنان في دمشق وباستمرار من العاصمة السورية والسفير اللبناني فيها الى جانبه. فطبيعي ان تكون قبلاته المتبادلة مع الرئيس الأسد تندرج في إطار جهود استثنائية لينجح في مهمته الجديدة على رأس حكومة تتضمن اعضاء حلفاء دمشق قبل انتمائهم الى لبنان. فلا شك ان الحريري ادرك منذ توليه رئاسة الحكومة ان زيارته لدمشق لا بد منها. فسورية جارة لبنان ومنفذه الجغرافي الطبيعي، وقد ثبت ذلك خلال صيف 2006 عندما قامت إسرائيل بعدوانها الوحشي على لبنان وأغلقت جميع منافذه من مطار الى مرفأ وبقيت طريق دمشق المنفذ الوحيد المفتوح امام اللبنانيين. فالآن وبعد هذه المصالحة والقبلات بين الرجلين ماذا نتوقع؟ الآن الكرة في الملعب السوري. فهل تتعامل سورية مع لبنان كدولة مستقلة وهذا مفيد للجميع، للبنان وسورية التي تكسب دولياً الكثير إن سلكت هذه الطريق إن كان على صعيد العلاقة مع السعودية أو مع تركيا أو مع الولاياتالمتحدة والعرب. أما اذا عاد اسلوب الاستنابات القضائية أو مطالبة إلغاء القرار 1559 الذي لا يذكر سورية بأي شكل من الأشكال إنما فحواه المحافظة على سيادة لبنان، فهذه مؤشرات سلبية ينبغي ان تصحح بعد هذه الزيارة. تجاوز الحريري كل هذه المؤشرات السلبية قبيل زيارته، وتصرّف كرجل دولة وذهب الى زيارة لم تكن سهلة عليه، ربما مثّلت أصعب قرار اتخذه في حياته الشخصية. فالآن ماذا بعد ذلك؟ مما لا شك فيه ان عمق لبنان هو العمق العربي ولبنان ليس بمعزل عن جيرانه العرب. ولكن استقلاله وسيادته ثمينان. فنظامه ديموقراطي مختلف عن باقي الأشقاء العرب. إن إعلامه الحر وكل ما يجري في الحياة السياسية يُنشر على صفحات الصحف المختلفة. فرهان الحريري ان يحمي ويحافظ على هذه الحرية وعلى السيادة والاستقلال وألا تعود الى ما مضى، أي التدخل المباشر بالشاردة والواردة. واذا كانت هذه الجهود لتعيد لبنان الى الصفحة السوداء التي مضت فليعد الحريري الى حياته الخاصة ويبتعد عن السياسة كي لا يسقط لا سمح الله شهيداً آخر مثل والده وشهداء لبنان الشباب. صحيح ان الرئيس الأسد والرئيس الحريري نقلا العلاقات الى مرحلة جديدة، ولكن علينا ان نرى اذا كان فعلاً سيتحقق ذلك. فالحريري تجاوز جرحاً شخصياً وعميقاً، خافياً ألمه البالغ في سبيل وطنه. فالأمل كبير للبلدين بان يكون ذلك لمصلحة سورية ولبنان. فالماضي الحديث الأسود أساء لكل من لبنان وأبنائه وأيضاً لسورية. ومسؤولية سورية ولبنان كبيرة في هذه المرحلة، فاللبنانيون ايضاً مسؤولون عن مصير بلدهم. فأين رأينا في العالم انتخابات تشريعية تعطي مرتين غالبية برلمانية ممنوعة من الحكم وحدها. فالأكثرية في لبنان ربحت الانتخابات في 2005 وفي 2009، ولكنها عجزت عن ممارسة حقها الديموقراطي بتشكيل حكومة من الغالبية البرلمانية مع معارضة ديموقراطية. فكان دائماً الخيار إما الائتلاف مع خاسري الانتخابات أو العرقلة والتعطيل. فالغالبية البرلمانية في لبنان موجودة في البرلمان وترأس الحكومة ولكن المعارضة بقوة السلاح فرضت تغيير اللعبة الديموقراطية. والرهان هو اذا كانت زيارة الحريري الى دمشق ستمكّنه فعلاً من إنهاض البلد الى مرحلة جديدة من الاستقرار والأمن والاستقلال!