انطلق المعرض الدولي «اكسبو 2015» في مدينة ميلانو الإيطالية أمس بمراسم ضخمة، الذي صودف افتتاحه مع عيد العمال العالمي. ولم يشهد أي أول من أيار (مايو) على مدى التاريخ الإيطالي الحديث، كهذا الذي احتُفل به أمس، حيث تعْلَق كرامة إيطاليا و«ماء وجهها» بسواعد أولئك العمّال الذين لم يتوقّفوا عن العمل حتى في يوم عيدهم، ليُتيحوا لإيطاليا التحضير لموعدها مع التاريخ، وأن تقدّم إلى العالم هذا المعرض العالمي الذي لا يتوافق مع بلد ما إلاّ مرّة واحدة في أكثر من قرن. إذ اعتادت الطبقة العاملة الإيطالية على الاحتفال بعيد العمّال العالمي، على أنغام الموسيقى في ساحة القدّيس يوحنّا في روما بآلاف المشاهدين الحاضرين بالفعل أو عبر البث التلفزيوني المباشر، وعلى دق ناقوس خطر الأزمات اللاحقة بالاقتصاد التي تمسّ العمال ومواقع عملهم. وتستمر نشاطات هذا المعرض ستة أشهر، وتتمحور حول الزراعة والتغذية، وفتُحت الأبواب في الموقع الضخم للسماح بدخول الزوار. وسُجل انتشار كثيف لقوات الأمن الإيطالية في الشوارع والأحياء المؤدية إلى موقع المعرض الدولي. وكانت المفوّضية الخاصة بالمعرض أعلنت أن «كل الأجنحة ستفتح أبوابها مع الافتتاح الرسمي، وتحديداً الجناح الإيطالي الأعلى من بين الأجنحة ال 140. ودُشّنت «شجرة الحياة» في بريشّا التي ستظّل معلماً فنيّاً قائماً، وعلى شاكلة ال «إكسبو» الأول في التاريخ عام 1900 الذي ترك «برج إيفيل» في باريس. وقبل الافتتاح، غرّد رئيس الحكومة الإيطالية ماتّيو رينزي على «تويتّر» قائلاً: «ها نحن بلغنا مبيع عشرة ملايين تذكرة دخول إلى المعرض، والأجنحة في غاية الجمال. يا لقوّة إيطاليا التي لا تستسلم». وما يسعى الإيطاليون إليه هو جعل هذه التظاهرة العالمية مناسبة لإطلاق جناحي الاقتصاد الإيطالي، وعلى رغم الغمامات التي خيّمت على سنوات الإعداد لل «إكسبو»، والملفات القضائية التي فتحتها نيابات ميلانو ومدن إيطالية أخرى، فإن امتلاء المدية والمقاطعة عموماً، إلى ما يربو على 25 مليون زائر خلال الشهور التالية، هي مثابة حياة وستكون فرصة لانطلاق الاقتصاد في هذا البلد. فضول كبير حول شكل الأجنحة المتعدّدة وطبيعتها، ولنا نحن أبناء البلاد العربية على مختلف مشاربنا ولغاتنا التي ننطقها، أن نزهو بأن الجناح الذي يثير الفضول والترقّب الأكبر هو جناح «دولة الإمارات» التي ستتسلّم من ميلانو صولجان الإكسبو المقبل «إكسبو دبي 2020». وتتوقّع مراكز الدراسات واستقصاءات الرأي، أن تزدحم المطاعم والفنادق ومرافق الفنون الإيطالية بآلاف الزوّار. وتشير إحصاءات أخيرة أجرتها كونفيدرالية المزارعين الإيطاليين القويّة، إلى أن «ثُلثي الآتين إلى إيطاليا من السيّاح، يستهدفون الاستمتاع بفنون إيطاليا وبما تقدّمه الطاولة من مطايب الطعام». لكن هل سيكون فعل ال «إكسبو» مستداماً، أم ينتهي بمجرّد مرور الشهور الستة المقبلة، المخرج الإيطالي الكبير إيرمانّو أولمي الذي أنجز لل «إكسبو» شريطاً قصيراً بعنوان «الكوكب الذي يستضيفنا»، يردّ على هذا السؤال ببصيرته الشاعرية التي ميّزته على الدوام، قائلاً: «الهدف الأساس لهذه التظاهرة الكونية هو التزام الشعوب الغنيّة ضمان الغذاء والماء والكرامة لأي كائن بشري يعيش على بسيطة هذه الأرض، شرط أن يتأتى ذلك عبر مبادئ العدالة ومنطق التعايش بين بني البشر. فكما نالت الشعوب حقّها في الغذاء، نالت حق العيش في ظل الحريّة بدماء شهدائها، وحتى تكون الديموقراطية والتعايش المدني بين الناس سمة حياتها». وأفادت وكالة «فرانس برس» بأن الاحتفالات بدأت رسمياً مساء أول من أمس مع حفل كبير في الهواء الطلق في ساحة دوومو قبالة الكاتدرائية القوطية الضخمة التي ترمز إلى مدينة ميلانو، بمشاركة المغني الايطالي اندريا بوتشيلي وعازف البيانو الصيني الشاب لانغ لانغ، وأوركسترا «لا سكالا» وجوقتها. ويشارك في المعرض 140 بلداً الذي يمتد حتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، على مساحة مليون متر مربع وبعنوان رسمي هو «إطعام الكوكب، طاقة من أجل الحياة». ويأمل القيمون على المعرض في جذب نحو 20 مليون زائر إلى هذه المدينة الواقعة في مقاطعة لومبارديا الإيطالية، ويعولون على الاستفادة من المعرض لتبديد الأجواء الضبابية في ايطاليا التي لا تزال تعاني من مشكلات في النمو الاقتصادي والعمل، على رغم الجدل الكبير في البلاد حيال هذا الحدث. إذ ساء البعض خصوصاً وجود شركات عالمية ضخمة في مجال الصناعات الغذائية من بين الجهات الراعية والشريكة في الحدث، ما اعتبره هؤلاء متعارضاً مع الرسالة الإنسانية للمعرض الدولي «اكسبو». ويعد المعرض في المجموع 80 جناحاً، بينها 54 تديرها بلدان مباشرة وتسعة مخصصة لمنتجات مثل البن والأرز، إضافة إلى أجنحة لشركات او منظمات من المجتمع المدني. لكن العامل الرئيس الذي قد يلطخ نجاح هذا الحدث هو تظاهرة «ماي داي» التي تنظمها حركة «نو اكسبو» المدنية المعارضة لهذا الحدث، وقد تزامن الاحتفال فعلاً بتظاهرات لهذه الحركة الرافضة لهدر المال العام والاستعانة بأشخاص يعملون في ظروف سيئة وبمتطوعين، وكانت بدأت بسلسلة تحركات أول من أمس مع تظاهرة طالبية شابها بعض الحوادث بينها هجوم على وكالة «مان باور»، وهي من الشركاء الرسميين لمعرض «اكسبو 2015».