عام 1996، اي بعد سنة من اغتيال إسحق رابين، عمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، آنذاك والآن، كل ما في وسعه لتخريب عملية السلام. ردت عليه إدارة الرئيس بيل كلينتون، مهددة بتقليص المساعدات العسكرية. غضب. رفض الضغوط. قال: «إذا كان الأميركيون يعتقدون بأنهم يشتروننا بهذه المساعدات فلدي مشروع للتخلي عنها خلال خمس سنوات». لم تتحمل إدارة كلينتون غضبه. أرسلت إليه من يسترضيه. توصل الطرفان إلى اتفاق وسط يقضي بتقليص المساعدات المدنية (120 مليون دولار سنوياً) على مدى 10 سنوات. ومواصلة المساعدات العسكرية مع زيادة نصف المبلغ المقتطع إليها. لكن إدارة الرئيس جورج بوش عوضت تل أبيب كل ما خسرته. صادقت على منح إسرائيل بليون دولار دفعة واحدة، وتسعة بلايين ضمانات قروض. نتنياهو الأول نجح في ابتزاز واشنطن. لم يبقِ، لا هو ولا أرييل شارون ولا غيرهما، اي معنى للمفاوضات مع الفلسطينيين. بعد 14 سنة تغير العالم. شنت حروب كثيرة، من لبنان إلى أفغانستان. انتكس مشروع بوش. هزم الجمهوريون في أميركا. وصل إلى البيت الأبيض رجل أسود. حاول التحدي. أخذ قراراً بتجميد الإستيطان، تمهيداً لإعادة المفاوضات. عاد نتنياهو الثاني بطبعته القديمة ليرد على التحدي. رفض الإذعان لأوامر الإمبراطور الجديد. اعتبره مبتدئاً في السياسة. لا يعرف قوة إسرائيل في الكونغرس ولا في الإدارة. ولا في محيطها المتهالك. تراجع أوباما. اكتفى بتجميد البناء في المستوطنات موقتاً، عدا القدس التي استثناها نتنياهو من التجميد باعتبارها العاصمة الأبدية للدولة لا تخضع للمساومات السياسية. رضخت واشنطن للأمر. صوَرته انتصاراً لإدارتها الجديدة. أجرت أضخم مناورات مع «الشريك»، متحدية كل المحيط العربي، وكل القيم الإنسانية. عرقلت كل المساعي لاستصدار قرار من مجلس الأمن يدين العدوان على غزة. صوتت ضد تقرير غولدستون لأنه يعرقل المفاوضات التي لم تبدأ. أقرت مساعدات عسكرية للدولة المسالمة للدفاع عن نفسها مقدارها حوالى ثلاثة بلايين دولار. كثفت تعاونها الاستخباراتي والصناعي العسكري مع تل أبيب. ضغطت على حلفائها كي يُبدوا حسن نية تجاه «عدوهم». استجاب بعضهم. والباقي على الطريق. اختصاراً، لم تشذ إدارة أوباما عن سابقاتها في التعاطي مع إسرائيل، لا على مستوى المساعدات العسكرية ولا على مستوى حمايتها من القانون الدولي. ما السبب وقد أشبعنا أوباما والمعلقون السياسيون أملاً في أنه سينشر العدالة وينصر المضطهدين أين ما كانوا، حتى لو اضطره الأمر إلى الوقوف في وجه نتنياهو؟ في البحث عن إجابة على هذا السؤال نتذكر الأيديولوجيا الدينية التي هيمنت على سياسة بوش. أيديولوجيا قيامية (Apocalyptic) ترى في إسرائيل تنفيذاً لوعد الرب وفي حروبها عدالة حتى لو قضت على كل الشعوب المناهضة لها. ماذا عن أوباما؟ قيل إن الرئيس الأميركي واقعي لا تحكمه أيديولوجيا من أي نوع. لكن ماذا عن قوله خلال تسلمه جائزة نوبل للسلام، بالتزامن مع المساعدات العسكرية لإسرائيل ومع تعزيز قواته في أفغانستان؟ وعن إشارته العابرة إلى تأثره بالفيلسوف رجل الدين البروتستانتي راينهولد نيبور؟ ألا يشير كل ذلك إلى أيديولوجيا؟ نيبور كاهن فيلسوف معروف بنظريته الواقعية التي تربط بين الإيمان المسيحي ووقائع السياسة المعاصرة. ومن أهم المساهمين في نظرية الحرب العادلة. ومن مؤسسي «كنيسة من أجل فلسطين». وأشد المؤيدين للدولة العبرية. أوباما أشار إلى الحرب العادلة في خطابه أمام الأكاديمية السويدية. أشار إليها آسفاً لأن في العالم شراً لا بد من التصدي له. لكن من يقرر عدالة الحرب؟ في الحالة الأولى قررها راينهولد. رأى في إنشاء إسرائيل ودعمها منتهى العدالة، بغض النظر عن الظلم اللاحق بالفلسطينيين والعرب. هؤلاء أشرار. في الحالة الثانية أوباما يقررعدالة الحرب. العدالة تفرض عليه تقديم كل المساعدات لإسرائيل، والصفح عن عنصريتها والتراجع أمام حكومتها الأصولية. ينتظر العرب عدالة أوباما وهو يخوض حروبه، مستلهماً نيبور، مثلما كان بوش يستلهم السماء وناتان شارانسكي. ونتنياهو يجلس على عرش إسرائيل سعيداً.