دخلت حركة «حماس» في سجال مع السلطة الفلسطينية وفصائل وقوى أخرى على خلفية قانون الموازنة العامة لعام 2015 المعروف باسم «قانون التكافل» المثير للجدل. وبدت حركة «حماس» وكأنها «تقاتل» على أكثر من جبهة في «معركة» حول القانون الذي شرعته كتلتها البرلمانية التغيير والإصلاح ودخل حيز التنفيذ في الأول من الشهر الجاري. ويعتقد محللون وخبراء أن الحركة خسرت المعركة مبكراً جداً، إذ تعارض القانون السلطة وحكومة التوافق الوطني والفصائل ومنظمات المجتمع المدني، بخاصة منظمات حقوق الإنسان، ورجال الأعمال والتجار وغيرهم. لكن رفض القانون وإسقاطه قد يأتي من المجتمع الفلسطيني في القطاع، بخاصة أن شعبية الحركة في تراجع مستمر نتيجة سياساتها في الشارع الفلسطيني وعدم إنهاء الانقسام، الذي بات يعطل كل مناحي الحياة ويضاعف معاناة الغزيين. وتوقع النائب عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مجدلاوي، أن يلجأ الغزيون إلى «العصيان المدني» في وجه الحركة، ودعاها إلى التراجع عن تطبيقه. لكن قاضي القضاة مستشار الرئيس محمود عباس للشؤون الدينية محمود الهباش، ذهب الى أبعد من ذلك، إذ حض الغزيين على «مقاتلة» حركة «حماس». وقال الهباش إنه «لا يجوز للجماعات أو الأفراد أن يأخذوا أموالاً من أي أحد خارج القانون». وشدد على أن القيادة والسلطة الفلسطينية «تمثل القانون، ولا يحق لأحد جبي أي أموال من المواطنين بغير أمرها أو تفويضها». وحض الهباش على عدم دفع أي أموال للحركة استناداً إلى القانون الجديد، قائلاً: «وأن تدفعوهم عن أموالكم كما تدفعونهم عن أنفسكم فافعلوا، فإن من قُتل دون ماله ونفسه فهو شهيد». ووصف رئيس كتلة «حماس» البرلمانية النائب محمد فرج الغول تصريحات الهباش بأنها «لمصلحة الاحتلال فقط ولا يخدم إلا أهدافه». وقال الغول للموقع الإلكتروني: «الرسالة نت» التابع للحركة، إن «صاحب الصلاحية الأصلي والحصري بسن القوانين هو المجلس التشريعي، الجهة التشريعية الوحيدة، ولا يجوز حتى للرئيس إن كان شرعياً أن يصدر أي قانون من دون عرضه على المجلس للمصادقة عليه». ويقول قانونيون إن الذي سن القانون عدد من أعضاء كتلة «حماس» البرلمانية المقيمين في غزة فقط، وليس كل أعضاء الكتلة، وليس المجلس، لأنه معطل منذ الانقسام قبل ثماني سنوات، ولا يجوز له أصلا أن يشرع قوانين. وتفرض الحركة، التي تهيمن على القطاع، بموجب القانون ضرائب على السلع والبضائع والخدمات بنسبة 10 في المئة، ومثلها على الشركات التي تزيد أرباحها السنوية عن مليون دولار، وعلى السيجار ومشتقاته بنسبة 100 في المئة. واعتبر الغول أن ضريبة التكافل «ستكون لمصلحة أبناء قطاع غزة والفقراء فيه». في الأثناء، تصاعدت حدة التوتر بين «الشعبية» و «حماس» في شكل غير مسبوق بعدما انتقد النائب عن «حماس» عاطف عدوان وهو أحد الذين يقفون خلف القانون ويدافعون عنه، على تصريحات مجدلاوي بشدة. وكان مجدلاوي دعا الخميس الماضي كتلة «حماس» البرلمانية الى التراجع فوراً عن هذا «القانون». واتهم مجدلاوي بعض نواب الحركة -من دون أن يسميه بالاسم- بأنه يطلق تصريحات «تأخذ طابع الإسفاف»، في إطار ردها على الانتقادات التي وجهت إليها بسبب إقرار هذا القانون. وقال مجدلاوي، في إشارة الى رفض القانون من كل فئات المجتمع تقريباً، إن الرسالة وصلت الى «حماس»، معتبراً أنه «لم يبق سوى النزول إلى الشارع والعصيان المدني». وشعرت الحركة بخطورة وأهمية تصريحات مجدلاوي، فسارع عدوان إلى اتهام مجدلاوي بأنه منذ انتخابه «لم يخدم أحداً من المواطنين ولم يفتح مكتباً لخدمتهم، على رغم تقاضيه 8 آلاف شيقل شهرياً بدل مصاريف مكتب»، علماً بأن لمجدلاوي منذ انتخابه عام 2006 مكتب نيابي في حي النصر في مدينة غزة، كما تقول «الشعبية». وأضاف عدوان على حسابه على «فايسبوك» منتقداً مجدلاوي: «حتى أنه لا توجد له قاعدة في الجبهة، لأن كثيرين يتهمونه بأنه فتحاوي يخترق الجبهة لمصلحة فتح، وأنه بوق ملون، وتصريحاته تخدم الانقسام ولا يهدف إلا لاقتناص الفرصة لمهاجمة حماس، على رغم أنها ترفع لواء المقاومة». لكن مجدلاوي المعروف بثقافته وسعة اطلاعه وانتقاداته اللاذعة، دعا عدوان إلى «مناظرة شعبية وجماهيرية»، إلا أن الأخير رفض ذلك. من جهتها، دافعت «الشعبية» في بيان عن نفسها وعن مجدلاوي، الذي قدم استقالته وحوالى 15 قيادياً من هيئاتها القيادية العام الماضي. وقالت إن «قواعد الجبهة ليست ملكاً لأي من الرفاق مهما كانت صفته أو مسؤولياته، لكننا جميعاً رفاق مناضلون من أجل القضية ومصالح الشعب الوطنية والاجتماعية العليا». وأضافت أن «مجدلاوي ترك منصبه طواعية من أجل أن يسمح لقيادة شابة داخل الجبهة، وأنه على رغم ذلك لا يزال جندياً إلى جانب قيادة الجبهة يتابعون مسيرتهم الكفاحية انطلاقاً من أن التخلي عن مواقع المسؤولية لا يعني أبداً مغادرة مواقع النضال».