أفادت مصادر جزائرية رفيعة بأن الولاياتالمتحدة أبلغت الجزائر «احتجاجها» على تبرئة القضاء معتقلين سابقين في معتقل غوانتانامو الأميركي. واستغربت المصادر تدخل واشنطن في موضوع «تناولته عدالة مستقلة لأشخاص برأتهم أميركا نفسها قبل ترحيلهم». وأكد مصدر جزائري رفيع على صلة بالملف ل «الحياة»، أن بلاده أبلغت واشنطن «رفضها القاطع لأي تدخل في شؤون يتابعها القضاء»، رداً على «عدم تقبلها» تبرئة مجلس قضاء العاصمة مرحّلين اثنين من غوانتانامو نهاية الشهر الماضي. وأشار إلى أن الولاياتالمتحدة فاتحت الجزائر في الموضوع «بصيغة الاحتجاج». واستغرب هذا الموقف، مشيراً إلى أن «واشنطن اعتقلتهم سبع سنوات في ظروف إنسانية سيئة للغاية، ثم منحتهم البراءة، فكيف للجزائر أن تعاقبهم على وقائع تمت تبرئتهم منها». ولفت إلى أن الاحتجاج الأميركي انصبّ على ملفي عبدلي فاغولي وطراري محمد اللذين برأهما مجلس قضاء العاصمة في أول محاكمة علنية لعائدين من معتقل غوانتنامو، وهما كانا في طليعة ستة معتقلين سلمتهم الولاياتالمتحدة إلى الجزائر، وخضع الرجلان لرقابة قضائية طوال عام كامل. وحصل فاغولي ومحمد على البراءة، على رغم اتهامهما بتجارة المخدرات والسرقة. وكانت الجزائر تسلمتهما العام الماضي، بعد قضائهما سبع سنوات في معتقل غوانتانامو من دون محاكمة. وأكد ممثل الادعاء العام أثناء المحاكمة أن المعتقلين سافرا في مطلع التسعينات إلى ألمانيا «حيث امتهنا تجارة المخدرات والسرقة»، ثم تحولا بعد ذلك إلى أفغانستان حتى أحداث 11 أيلول (سبتمبر)2001، حين أوقفتهما الشرطة الباكستانية. وحوكم معتقل ثالث يدعى أحمد بلباشا غيابياً ودين بالسجن عشرين سنة، لكن واشنطن ربطت العقوبة المشددة برفض المعتقل ترحيله إلى الجزائر. وأكد المصدر الجزائري أن «بلباشا موجود على لائحة إنتربول، وارتباطه معروف بشبكة في باكستان قبل اعتقاله»، مشيراً إلى أن «الحكم بحقه يبقى غيابياً، وفي حال حضوره ستتبدل القاعدة القانونية وفق القانون». وذكرت مصادر أن الملف طُرح خلال زيارة وزير الخارجية مراد مدلسي لواشنطن الأسبوع الماضي، خلال لقاءات ثنائية مع نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون وبعض المسؤولين في البيت الأبيض. ولفتت إلى أن «واشنطن تتصور أن الظرف الأمني في الجزائر قد يشجع معتقلين سابقين على الارتباط بشبكات إرهابية»، لكنها رأت أن «هذا تصور خاطئ جداً عن الوضع في الجزائر، وواشنطن تعلم ذلك جيداً... بل تعلم أن المعتقلين الذين تمت تبرئتهما لا علاقة لهما بأي نشاط مشبوه». وفُسر الاحتجاج الأميركي في الجزائر على أنه محاولة لتفادي مطالبة المعتقلين السابقين بتعويضات، إذ ان من شأن إدانة المعتقلين السابقين في غوانتانامو من جانب دولهم الأصلية أن تحرمهم حق رفع دعاوى دولية. وتطالب واشنطن في هذا الشأن بتطبيق شروط لم توافق عليها الجزائر، تتلخص في ضمان عدم عودة المرحلين إلى ممارسة «الإرهاب»، وسحب جوازات سفرهم ومراجعتهم دورياً من جانب قضاة أميركيين. وأكدت المصادر أن واشنطن تسعى خلال هذه الفترة إلى معاودة طرح هذه الشروط أو ترحيل بقية المعتقلين الجزائريين إلى دولة «محايدة». وتناقش الإدارة الأميركية خيار ترحيل من تبقى من الجزائريين لديها إلى ألبانيا، إلا أن الجزائر جددت رفضها أي «مساومة» في هذا الملف، وأنها ترحب بأي معتقل جزائري سابق في غوانتانامو وستعامله وفق القانون، أي أنه «إذا ثبتت عليه التهم فسيُدان، وإن كان العكس فالبراءة من حقه من دون أدنى نقاش».