«كأنما قبّل الوطن بأسره»... هكذا يختصر السعوديون مشاعرهم عندما تسألهم عن تأثير «القبلة» التي طبعها ولي العهد الأمير سلطان على جبين المصابين جراء الحرب على المتسللين جنوب المملكة. وقع الزيارة أبهج منسوبي القوات المسلحة وأبناء المجتمع كافة من رجال ونساء وعلماء دين ودعاة وفقهاء، رأوها «لحظات اختصرت علاقة الرحمة والأخوة المتبادلة بين القيادة السعودية وشعبها». الداعية المستشار في إمارة المنطقة الشرقية غازي الشمري فسر ذلك بالقول: «من الناحية النفسية ننصح باللمسة الحانية، ونؤمن بأنها تترك تأثيراً خارقاً في نفس الشخص المريض أو المجروح أو المكلوم نفسياً، لكن بربك أي وقع سيكون لقبلة ثاني رجل في الدولة لجندي يرقد على سرير في المستشفى». في ظن الشمري أن الخطوة كانت من جانب ولي العهد موقفاً إنسانياً عابراً لأن مواقفه كلها هكذا، لكن وزنها في نفوس الناس الذين رأوها على شاشة التلفزيون كان كبيراً. وتابع: «كنت في لبنان أسجل برنامجاً حين شاهدت الزيارة عبر التلفزيون فسجدت لله شكراً أن أكرمنا بقيادة هذه أخلاقها، وتلك رحمتها ومشاعرها نحو أقل مواطنيهم إلى أعلاهم شأناً، وهنأني من حضروا المكان بذلك وهم يتمنون أن يجدوا من قادتهم مثل ذلك الموقف، فكانت تلك الزيارة مثل كثير من مواقف ولي العهد وإخوانه رسائل إنسانية استوعبها المواطنون، ويجب أن يستوعبها من دونهم من المسؤولين فيرفعوا شعار التراحم والتواصل مع بقية مواطنيهم». ويتقاطع فقيه العسكر السابق الشيخ سعود الفنيسان مع الشمري في الرسائل التي حملتها زيارة الأمير وقبلته التي طبعها على جندي، وفجرت في الوطن الحب مدراراً. وقال: «الأمير سلطان رجل العسكر والجند، محبوب من الصغير قبل الكبير وهذا شيء لمسته عن قرب، ودائماً يخص صغار الرتب منهم بفيض من المحبة والتقدير، وبالتالي فإن الموقف الذي شاهده العالم أجمع وهو يقبل الجند ليس بغريب على أخلاقه وشمائله، لكنه كان مؤثراً ومعبراً بكل المقاييس وأوصل رسالة إلى كل أبناء وطنه أن يتراحموا ويتعاطفوا». وأضاف: «من ناحية الجندي الذي قدم نفسه رخيصة في سبيل الدفاع عن دينه ووطنه فإنه جدير بكل الحب والتقدير كما نال من ولي العهد، ونحن نرى أن جنودنا مجاهدون في سبيل الله، إذ نصت الشريعة على أن من قتل دون دينه أو ماله أو عرضه أو نفسه فهو شهيد، وهم يقاتلون دفاعاً عن الوطن الذي يحوي تلك الأقسام جميعاً، فنحن نحتسب القتلى منهم شهداء والجرحى منهم مأجورين». أما الاختصاصي في القضايا الفكرية والأمنية الدكتور ماجد المرسال فاعتبر مبادرة الأمير بزيارة الجرحى في أول يوم من وصوله على رغم إرهاق السفر خير دليل على وجود قيادة مهتمة بقضايا الوطن الذي كانت من أجله الإصابة، فهو مقدم على الجميع، وأن من يضحي في حمايته يستحق كل التقدير، وبهذا تكون بادرة تقبيله الجنود رمز وفاءٍ للوطن كله، وهو أيضاً يعطي رسالة بأن القيادة والشعب في مركب واحد. وحول الأثر الذي تتركه مبادرة كهذه، استذكر المرسال مواقف في التاريخ الإسلامي خلع فيها القائد الألقاب على جنده وأكرمهم بثقته وحبه، فكانت الحفاوة والتكريم والتشجيع والتحفيز النفسي تبني لديهم ثقة كبيرة بالقضية التي يحملونها، وتعطيهم دافعاً وحافزاً نفسياً أقوى للاستمرار والمواصلة في الدفاع عن الوطن والتضحية في سبيل تحقيق مصالحه وأهدافه. وزاد: «مواقف كتلك التي شاهدنا الأمير يجود بها، كان لها أثر كبير وحضور بارز في مواقف النبي عليه السلام مع أصحابه في أحد والحديبية ومشاهد كبرى، بل أحياناً يطلق الألقاب على بعض الصحابة، كسيف الله المسلول لخالد بن الوليد وأمين الأمة لأبي عبيدة، فحققت تلك الألقاب الجميلة دوافع معنوية وجوانب قوة لدى من ظفروا بها، إذ نعلم أن الإعداد المعنوي للجند والمجتمع والشعب بأكمله لا يقل عن الآخر المادي، لأن النفسية المهزومة لن تحقق نصراً».