كنت صغيراً أسمع ان «المكتوب ما منّو مهروب» وأعتقد بأن المثل الشعبي يتحدث عن عظائم الأمور، مثل الحياة والموت. وكبرت واكتشفت أن المكتوب لي، حتى الآن، أهون كثيراً، فهو أن أسافر من آخر بوابة في أي مطار، وأن أخرج من آخر بوابة في مطار الوصول. في مطار بيروت الاثنين الماضي توجهت الى البوابة الرقم 9، بعد أن رأيت اشارة تقول البوابات 1-12. ولم يتغير حظي فكانت البوابة الرقم 9 آخر بوابة في ذلك الجزء، وبعد البوابة الرقم 12. وكان وصولي الى آخر بوابة في الجزء الثالث من مطار هيثرو، وهناك 250 مسافراً/ شاهداً من رفاق الرحلة عانوا لأنهم سافروا معي. ليس كل ما في جعبتي اليوم شكوى أو نكداً، فمضيفات شركة طيران الشرق الأوسط بين الأجمل في العالم مع نضارة الشباب. وأنا أسافر كثيراً بطائرات أوروبية وأميركية وأفجع بعواجيز يزددن سناً مع رقيّ درجة السفر، لأن المضيفات عندهم يبدأن في الدرجة السياحية، ويتدرجن نحو درجة رجال الأعمال ثم الدرجة الأولى، فلا تصل الواحدة منهن الى هذه الدرجة حتى يكون الدهر قد أكل عليها وشرب. في شركات الطيران العربية، وأكثر خبرتي مع طيران الشرق الأوسط، حسن المضيفة يواكب درجة السفر، مع كنافة وكعكة بسمسم في الصباح. الركاب في الطائرة يحملون أكياس مشتريات معفاة من الضرائب وأنا أحمل كتباً ومجلات وجرائد، وعندي منها للقارئ: - قرأت خبراً عن غرق شبان كانوا يحاولون الهجرة في قارب من شمال أفريقيا الى أوروبا. وتذكرت عمرو بن كلثوم وقوله «وماء البحر نملأه سفينا» وكيف انه لم يقصد أن يملأه طلاب الهجرة فيصل واحد ويغرق اثنان. البحر للدول العربية هو سور برلين للاتحاد السوفياتي، أي اعلان فشل سياسي واقتصادي واجتماعي، وسألت نفسي هل نرى الأوروبيين يوماً يعبرون البحر الينا، وتذكرت انهم عندما فعلوا كان ذلك في سفن حربية، وتبعهم الأميركيون، ومَن يهن يسهل الهوان عليه. - في المقابل، كنا قلنا يوماً «مندوب بلغ دولتك/ لندن مرابط خيلنا»، والمندوب هو المندوب السامي، والمرابط إن لم تكن في لندن فهي في باريس، والزجل قيل ونحن مستعمَرون وتحت الاحتلال. كان هناك تحقيق في جريدة لندنية عن «داربي ابوم»، وهو أهم سباق خيل في انكلترا، وموعده هذه السنة الخامس والسادس من حزيران (يونيو) المقبل، وتذكرت ان العرب فازوا بهذا السباق مرات عدة، وجعلوا لندن مربط خيلهم، ولعلنا نفلح مرة أخرى هذه السنة. - قيل في معلقة عمرو بن كلثوم: ألهى بني تغلب عن عمل مكرمة/ قصيدة قالها عمرو بن كلثوم يفاخرون بها مذ كان أولهم/ يا للرجال لشعر غير مسؤوم وتركت بيروت وقد ألهت الانتخابات أهلها عن كل أمر آخر. وقرأت في الطائرة خبراً هندياً يفيد كل مرشح لبناني، فقد ضُبط أحد زعماء حزب باراتيا جاناتا الهندوسي القومي على الكاميرا وهو يدفع رشوة لناخب، وقال انه لا يرشو وانما يقوم بعمل خير ويقدم حسنة. لا بد من أن مرشحين لبنانيين كثيرين يستطيعون استعمال هذا الدفاع اذا ضبطوا. وبالمناسبة هناك أكثر من 700 مليون ناخب و1055 حزباً سياسياً في الانتخابات الهندية، فأرجو من الاخوان ان يقدروا حجمهم على الخريطة. - اعتقد بأن ميخائيل ساكاشفيلي، رئيس جورجيا، من أصول عربية، فهو في وجه التظاهرات ضده وتحسن العلاقة بين الولاياتالمتحدة وروسيا أكد أن أميركا لا تزال معه. يفترض في الحاكم أن يكون أهل بلده معه، ثم يسعى لإقامة علاقات مع دول خارجية وتحالفات، غير أن بعض حكامنا، بعضهم لا كلهم، يفضل الاعتماد على الخارج وعادة على حساب شعبه. - في مجلة يوم السبت السابق لجريدة «الغارديان» وجدت تحقيقاً جميلاً مع صور لهواة سباق الحمام الزاجل، فعندهم الجمعية الملكية لسباق الحمام، وهم يأخذون الحمام الى أوروبا، ويتركونه على بعد ألف كيلومتر الى 1500 كيلومتر من بيوتهم، والفائز هو الذي تصل حمامته قبل غيرها، وهناك جوائز كبرى. التحقيق ذكرني بهواية «كش الحمام» في لبنان، وبأنني لم أعد أرى أسراب الطيور تحلق حتى يصطدم بعضها ببعض وتختلط، وقد تعود طيور خطأ مع السرب الآخر ويخسرها صاحبها. هل هي هواية أخرى ضاعت مع ما ضاع في البلد؟ كنا نقول «كشاش حمام» بمعنى كذاب، لأنه يقسم أنه لم يرَ طير منافسه، وكنا نسمع أن «كشاش الحمام» لا تُقبل شهادته في المحاكم. وعشنا حتى رأينا «كشاشين الحمام» في البرلمان، وأقترح ألا تقبل المحاكم شهادتهم، وتكتفي بأصحاب الطيور، فهم يكذبون عن حمامة لا مصير البلد.