أجوب بلاد الأرض، وأرى مطارات وملاعب وحدائق ومرافق يتمتّع بها عشرات الملايين من الأمم في بلدانهم، ويتعاملون مع هذه الأمور على أساس أنها نعم كبيرة أنعم الله بها عليهم، اذ تربّت هذه الأمم على أن الحفاظ على هذه المرافق والممتلكات العامة هو أمر طبيعي في تركيبتهم التربوية، ناهيك عن أنها في نظرهم ممتلكات يحميها القانون، وأنّ الحفاظ عليها هو أصلاً من أسس الحضارة للإنسان المعاصر. أعود لبلدي الحبيب، فأجد الطرق تالفة من أوزان الشاحنات الزائدة! وأجد الحدائق تشتكي من العابثين! فلا مقاعد صالحة فيها للجلوس، ولا حتّى الوقوف عليها! وأجد دورات المياه العامّة أقذر من زرائب الخنازير! بل وأجدها محطّمة كما لو كان الذي حطّمها وحشاً كاسراً يريد الانتقام من أحد ثأراً! مع أنني لا أعرف ما ذنب دورة المياه تلك في موضوع الثأر هذا! أعرف أن الرقابة على الممتلكات العامّة تعاني من ضعف شديد في أجهزتها. ضعف يمتد امتداداً طبيعياً لوباء الفساد التي كشفت لنا سيول جدّة عن أحد أصابع إحدى قدميه القذرة. ولكن حتّى يأتي اليوم الذي توجد به أجهزة رقابيّة قادرة على حماية الممتلكات العامّة، يجب أن تكون هناك آلية لرفع مستوى الوعي لدى الأطفال والمراهقين، سواء في مناهج المدارس أو حتّى في المناسبات الرياضية، سواء باستخدام استراحات ما بين الأشواط أو إعلانات النقل التلفزيوني المركزة والمدروسة. وليتم ذلك بحيث يتم التركيز على أن الوطنية والحضارة بل وقبل ذلك كلّه التقيّد بتعاليم الدين والخوف من الله، لا تكتمل بل ولا توجد، طالما أننا لا نحرص على ممتلكاتنا العامّة، التي هي في النهاية لنا نحن أهل هذه البلاد، ولمن يسكنها من الوافدين المحترمين! هي لي ولك ولابنائنا ولعائلاتنا ولأصدقائنا وأقربائنا! إتلافنا لها، هو ضرر لي ولك ولمن نحب! وسكوتك على من تراهم يتلفونها، هو تماماً كما لو كنت أنت الذي أتلفتها! أقول ما قلت، وأنا أرى مقاعد ملاعب جدة والدمام والرياض وقد ازدانت بمقاعد صالحة للاستخدام البشري، بدلاً من «الصبيّات» الخرسانيّة التي عملت بجماهيرنا «العمايل» لعقود وعقود! ولن أتساءل كيف لنا نحن الدولة الغنيّة، أن نفرح في أواخر عام 2009 ميلاديّة (والحمد لله لم تكن هجريّة!) بتركيب مقاعد جلست عليها دول من أفقر دول العالم منذ عقود، ولكنّني سأتساءل: كم سنة، أو شهر، أو حتّى يوم ستستطيع هذه المقاعد أن تتحمّل تعامل بعض الجماهير معها؟! يا ترى، كم واحد من الجماهير سيعتقد أن الانتقام من حكم اللقاء، يتجسد بتحطيم المقعد الذي يجلس عليه؟! أو أن تشجيع فريقه يتطلّب الوقوف على المقعد والقفز عليه؟! أو أن أهازيج فريقه لا تشجي الآذان إلا عندما يتم استخدام المقاعد للقرع والتطبيل؟! هل ستستطيع إدارات الملاعب حماية مقاعدها من التلف؟ وكيف؟! هل لديهم آليات للتعامل مع العناصر المتحمّسة والثائرة والهائجة من بعض الجماهير؟! أم أن عملهم مقتصر فقط على الدوران بأجهزة الاتصال اللاسلكية لمنع مسؤولي الأندية من "دعس" البساط الأخضر بين شوطي اللقاء وبعد نهايته ويبقون عاجزين عن التحكّم بما يدور في المدرجات؟! هل نحن محرومون من التمتّع بما رزقنا الله به من نعم لهذه الدرجة التي تجعلنا نتساءل إن كنّا نستطيع أن نحمي ممتلكاتنا وملاعبنا من عدمه، وكأن الأمر في أيدي غيرنا وليس في أيدينا؟! كم أتمنّى ألاّ أرى أياً من جماهيرنا يقوم بأي فعل غير حضاري في ملاعبنا. ولكن، لو حصل ذلك، فكم أتمنّى، بل وأكاد أحلم، بأن أرى مسؤول أحد الملاعب وهو ينسق مع رجال الأمن بالتحفّظ على أي فرد من الجماهير يتلف أياً من ممتلكات الملعب، ويجبره (أو يجبر وليّ أمره) على دفع تكاليف التلفيّات، ومن ثم يتم تسليمه للسلطات للتعامل معه بالطرق المناسبة. [email protected]