ربما نكون ضحكنا كثيراً على مشهد من مسرحية «مدرسة المشاغبين»، عندما طلبت المعلمة أن يكتب أحد تلاميذها كلمة الأخلاق على السبورة، فكتبها بحسب معرفته بهذا الشكل «الأخلاء» (بالهمزة وليس بالقاف)، ولم تقف كثيراً المعلمة عند الحرف الخاطئ وأخبرته (مش مهم بالقاف أو بالهمزة) المهم أنها تكون عندنا كلنا! الأخلاق كلمة كبيرة خلفها قيم كثيرة ومهمة ربما يكون اهمها على الاطلاق الشهامة والضمير واغاثة الملهوف، وكل ما سبق لم أجده متوافراً في مقطع أليم على «اليوتيوب»، يظهر فيه رجل يغرق وبجانبه شباب يتفرجون ويضحكون باستهتار حتى غاب عن الأنظار في مشهد دامٍ يضرب الأخلاق ضرباً. الطبيعي ان يتألم الشخص الطبيعي عندما يجد قطة تواجه الموت وتتألم. من الطبيعي ان تتحرك الفطرة الخيّرة الناصعة البياض لتمد لها يداً حتى لو لم تنجح في انقاذها او تخفيف آلامها، شرف المحاولة يكفي ليسكت الضمير اليقظ الذي انشغل في إنقاذ كائن حي، حتى لو كان حيواناً، فكيف بمصيبة كبيرة عاشها اهل جدة وشاهدها الشباب الأربعة وظلوا مكانهم وتابعوا عملية «التصوير دون مبالاة» بأن روح إنسان يصارع المياه وحده وينجرف ليلاقي حتفه امامهم. ألف سؤال أضعه لهم وألف علامة استفهام تسكنني عن معنى الأخلاق التي تحويها أرواحهم! الأخلاق وحدها هي التي دفعت شباباً وشابات جدة بالانخراط في مجموعات تطوعية. رأيتهم يعملون بجد واجتهاد وعلى وجوههم اصرار غريب لتحمل التعب والجهد في ترتيب حاجات الاغاثة، الدموع تملأ المآقي، والنكبة ألقت بكاهلها على وجوه الجميع. هي الأخلاق لا أكثر ولا أقل، هي التي تصنع الفرق بين الجدية والمسؤولية وبين الاستهتار والانشغال بتصوير مشهد رجل يرحل عن عالمنا في كارثة مخزية بكل معنى الكلمة. اليوم نشرت صحيفة «الحياة» صورة للرجل الشهم الباكستاني الذي أنقذ 14 روحاً وغرق هو في مشهد أليم، رسمه القدر. يكفيه أنه خرج من الدنيا والجميع يدعو له بالرحمة وبالجنة، يكفي أنه أغاث الملهوف ولم يهرب بروحه. الأخلاق والقيم والشعور بالمسؤولية الانسانية والاجتماعية التي دفعت هذا الجمع الكبير من البشر لتكون يداً واحدة تحاول انقاذ ما يمكن إنقاذه. كل الشكر لكل السيدات اللاتي تركن أعمالهن وحولن بيوتهن الى ورش عمل لمد يد المساعده للمتضررين والضحايا. الأخلاق واليد الواحدة هي ما استشعرته في ارض المعارض بجدة، في مشهد يفرح القلب ويهدئ الروح، على رغم المشهد الأول الذي دفعني إلى ان أعلن بعد مشاهدتي له ان قلبي منطقة «منكوبة»!. [email protected]