قطع خلوتها وهي في وسط حاوية النفايات، وهي تبحث عن شيء تلقفته الحاوية لتمنحها إياه لعلّه يكون ذو فائدة أو يسد حاجة، ولم تكن تلك الطفلة البريئة تعلم بأنها ستكون بين ليلة وضحاها بطلة مسلسل «التعصب الرياضي»، ولم تقبل أن يكون دورها رئيساً ولا حتى «كومبارس»، بيد أن قميص نادي الاتحاد التي كانت ترتديه، كان سبباً رئيساً في انتشار صورتها التي تحولت من خلفية لابتسامة متعصب شامت، إلى الصورة الأكثر تداولاً في الشبكة العنكبوتية. فوجئ الشاب فيصل حافظ، بهجوم شرس من قبل مغردين غاضبين بعد نشره لصورة التقطها مبتسماً وخلفه حاوية نفايات تجلس بداخلها فتاة كانت ترتدي قميصاً لنادي الاتحاد، وعلى رغم أن المقصود من الصورة بحسب تغريداته اللاحقة كان «للتفريغ عن لحظة تعصب» للنادي الذي كان ينتمي إليه، وأردفها باعتذار لنادي الاتحاد، إلا أن صورة الطفلة كانت الأكثر تأثيراً من الرياضة بحسب مغردين. واشتعل موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بمغردين غاضبين تناقلوا الحادثة عبر حملة «حاكمو العنصري»، الذي استحق وبكل جدارة أن يكون صاحب أسوأ تصوير «سيلفي» منذ بداية تداول هذا النمط من التصوير، وطالب المغردون بمحاكمة ومعاقبة صاحب الصورة ليكون بحسب قولهم «عبرة لغيره من المتعصبين الذين أنساهم التشنج الرياضي احترام كرامة الإنسان». باتت شخصية الطفلة مشوشة بالنسبة للكثير ممن تفاعلوا مع صورتها، وكانت وإلى وقت قريب مجرد طفل صغير، قبل أن يُصدم الجمهور بأنها طفلة، ما زاد السخط والغضب في مواقع التواصل أكثر، بعد أن انتشر تسجيل فيديو للحافظ وهو يعتذر منها ويقبل رأسها ويهديها بعض الهدايا عربون اعتذار. وتفاعل بطل الراليات السعودي يزيد الراجحي عبر صفحته في «تويتر» مع هذه الطفلة، وأعلن تبرعه بمبلغ 50 ألف ريال، وعلّق: «أعلن تبرعي للطفل الرجل الذي لم يتجه للحرام واتجه للحلال للبحث عن لقمة العيش، ومن يدلني عليه؟». بينما أكد مدير العلاقات العامة والإعلام في مكتب متسابق الراليات يزيد الراجحي، عوض الصقور ل«الحياة» أن «الراجحي غير مسؤول عن جمع أي تبرعات للطفلة التي ظهرت في صورة الشاب فيصل خياط»، مبيناً أن «التزام الراجحي ينحصر في التبرع الذي قدمه شخصياً وأعلن عنه عبر حسابه الشخصي والبالغ 50 ألف ريال». وأضاف الصقور «ما غرّد به الشاب فيصل أمر يخصه، وكل ما حدث أن يزيد الراجحي زوده برقم تواصل ليتم التنسيق لإيصال المبلغ إلى الطفلة من دون أن يكون هناك أي ترتيب يخص جمع تبرعات لها، أو أن يكون مسؤولاً عن ذلك، وأؤكد لكم مجدداً بأن الراجحي مسؤول فقط عن تبرعه الشخصي لا غير». من جهته، أوضح المستشار القانوني المحامي مشعل الشريف أن «القضية من جهتها القانونية من خلال نشر صورة طفل، خصوصاً من لم يبلغ السن القانوني، ولا يعي أن في التصوير إساءة له، بعكس العاقل الذي يُخير بين النشر من عدمه، أما بالنسبة للأطفال فتعتبر مخالفة صريحة ويحاسب من يقوم بارتكابها». وأوضح «أنه ليس بالضرورة أن تكون الصورة مسيئة، وهذه الواقعة تندرج تحت مخالفات الجرائم المعلوماتية، ويطالب فيها ولي أمر الطفل بالعقوبة، لأن الإساءة طالتهم أيضاً»، وبالنسبة للعقوبة أوضح المحامي الشريف أنه «إذا تقدم ولي الأمر بالشكوى وثبت ذلك، يعاقب مرتكبها بالسجن أو الغرامة، بعد أن يحال من التحقيق والإدعاء العام إلى المحكمة، بحسب المادة الثالثة والبند الرابع منها والمتضمن المساس بالحياة الخاصة من طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بكاميرا». وأضاف: «تندرج هذه الحادثة بالبند الخامس من المادة الثالثة، التي تشير إلى التشهير بالآخرين، وعقوبتها في الغالب لا تزيد عن ثلاثة أعوام سجن وغرامة لا تتعدى مليوني ريال بحسب السائد في محاكمنا، والعرف بالسجن ستة أشهر». كما أوضح المحامي الشريف أن «لنادي الاتحاد أيضاً الحق في رفع دعوة ضد هذا الشخص في حال ثبت أنه أساء لهم، وذلك من باب التشهير في المادة الثالثة من البند الخامس»، مضيفاً يُخيّر القاضي صاحب الحق الخاص إما بالتعويض المالي أو التعزير، والتقدير في النهاية للقاضي بتحديد التعويض المالي المناسب للحادثة». وغرّد ملتقط الصورة الأسوأ في تاريخ «السيلفي» باعتذاره للطفلة وأهلها، الذي تمكن من الوصول إليهم والاعتذار منهم وأخذ المسامحة بحسب قوله، وأوضح أن «الحياة لا تخلو من الخطأ فلا تجعل الخطأ مصيبة صححه بعدم الوقوع فيه، فما خلقنا متعلمين من لا يخطئ لا يتعلم». لم تختلف ملامح الطفلة بين أول صورة في وسط الحاوية، وبين الصورة الأخيرة التي التقطت لها بعد تسلمها لهدايا الترضية، فالوجه الحزين المليء بالإجهاد والغضب ما زال من دون تغيير، والصمت سيد الموقف في الصورتين، إلا أن التغيير الوحيد الذي أثار فضول مغردين طال قميص الفتاة التي ظهرت مرتدية قميص جوفينتوس قبل أن تستبدله بقميص نادي الاتحاد. ورافق هذه الحادثة موجة من الإشاعات أبرزها وصول التبرعات للطفلة بمبلغ تجاوز النصف مليون ريال من شخصيات معروفة، إلا أن التأكيدات تشير إلى أنها مجرد إشاعة، عدا التبرع الصريح لبطل الراليات الراجحي بمبلغ 50 ألف ريال. ووصف رياضيون وفنانون وجماهير الصورة ب«المثال الصريح على التعصب الرياضي الأعمى، الذي يلغي الإنسانية ويغيب الروح الرياضية»، وغرد الفنان فايز المالكي ب«اعتذارك شيء جميل والاعتراف بالخطأ من شيم الكرام، ولكن ثق أن الأيام دول بين الناس»، في إشارة إلى استيائه من هذه الصورة. العابدين: يُمنع تصوير الأطفال علّقت عضوة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، الدكتورة سهيلة زين العابدين ل«الحياة» على «الصورة القضية»، وأكدت أنه «يمنع وبشكل قانوني تصوير الأطفال، حتى في الإعلانات الترويجية التي تبثها القنوات، أو التي تعقد في بعض مراكز الأنشطة، ويُجرّم الوالدين في حال استغلال أطفالهم لأي نوع من أنواع النشاط سواءً كان خيري أم تجاري، فكيف بطفلة التقطت صورتها للسخرية منها والاستهزاء بها في وضع مشين وغير إنساني في عصر ينتشر به كل شيء مثل سرعة البرق». وأضافت «هذه الطفلة كانت ضحيّة تعصب رياضي شبابي أدى إلى ظهورها وهي في انكسار تبحث عن لقمة عيشها في حاوية نفايات، وذلك بسبب ارتدائها لزي الفريق المنافس لفريق هذا الشاب، الذي لم يراعي مشاعر الإنسانية في توثيق اللحظة وإرسالها عبر الانترنت بهدف الضحك والاستهزاء». كما أكدت عضوة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان «أن الميول الرياضية يجب ألا تصنع منّا أعداءً نحارب بعضنا البعض، ويجب أن تكون الروح الرياضية فوق كل اعتبار وتفهم أهمية وجود هذه الألعاب، وهو لبث روح المتعة والتنافسية الشريفة من دون إلحاق الضرر بأحد ما».