انتخى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لأهالي جدة المنكوبين جراء السيول التي اجتاحتها الأسبوع الماضي، وكفكف دموع من فقدوا أعزاء على قلوبهم في "زخة مطر". لا أقصد بذلك المعونة المالية المتمثلة بتقديم مليون ريال لكل شهيد قضى نحبه جراء تلك السيول، التي لم يكن لها أن تصل إلى حد الكارثة، لولا وجود أخطاء في تخطيط مدينة جدة، سواء على مستوى الخدمات السطحية أو التحتية، لكني أقصد بتشكيله لجنة تقصّي حقائق لمحاسبة "كل متهاون بكل حزم من دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة". الجزء الثاني، المتمثل في محاسبة المسؤولين المتسببين في الكارثة، سواء كانوا جهات أم أشخاصاً، كما ورد في الأمر الملكي، هو ما يبحث عنه المتضرر جراء السيول، فهو أمر يدعو للاطمئنان لدى الآخرين المهددين بأشياء لا علاقة لها بالأمطار والكوارث الطبيعية، هذا إذا اعتبرنا مجازاً أن ما حدث في جدة الأسبوع الماضي كان نتيجة كارثة طبيعية. مثل هذا القرار يُطمئن المواطن المهدد بسكنه والخدمات المقدمة إليه، ويردع المسؤول المتخاذل عن أداء عمله، ولا سيما في مجال مراقبة تنفيذ المقاولين لأعمالهم المتعلقة بالخدمات السطحية والتحتية، التي أنفقت عليها الدولة بلايين الدولارات من أجل راحة المواطن. كما أنه – القرار – سينهي جزءاً من حقبتي: "شد لي واقطع لك" و"ادهن السير يسير". الأمطار لم تكن كارثية، كما ورد في الأمر الملكي. لكن ما خلفته الأمطار نتيجة اهمال بعض الجهات والأشخاص، هو الذي أدى إلى وقوع الكارثة غير المتوقعة، وعلى المسؤولين المعنيين أن يعترفوا بأخطائهم، لا أن يعيدوا الأسباب إلى وجود أحياء عشوائية وأخرى لم تخطط بالشكل المطلوب، أو أن يحيلوا السبب إلى أخطاء ارتكبها أسلافهم من المسؤولين، وليذْكروا أن أهلهم عاشوا في هذه البقعة من الأرض منذ مئات السنين وفي منازل بدائية ولم يذكر المؤرخون الذين درسوا المنطقة منذ فجر التاريخ أن مطراً طارئاً قتل مئة رجل في "بحرة" أو "ذهبان" أو غيرهما من التجمعات السكنية التي بنيت في بطون الأودية المحيطة في جدة من جهتي: الشرق والشمال الشرقي، أو حتى في بطون أودية مكةالمكرمة الأكثر عمقاً منها. خادم الحرمين أدى واجبه تجاه المنكوبين بصفته ولي أمر، كما أدى واجبه في الأسبوع ذاته، تجاه أبنائه النازحين بصفته مسؤولاً عنهم، وهو قبل ذلك أشرف على تصعيد الحجاج بصفته مؤتَمناً على راحتهم وأمنهم أمام الله، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي فعله تجارنا وأثرياؤنا لمنكوبي جدة ونازحي جازان. من حق هؤلاء المنكوبين في جدة والنازحين من القرى الحدودية مع اليمن أن يجدوا من «يطبطب» على أكتافهم من أبناء جلدتهم، لكي يعرفوا أنهم يعيشون في مجتمع ملؤه الإنسانية والتكافل، ناهيك عن التواد والتراحم. من النخوة أن يهب هؤلاء التجار والأثرياء الذين "ملأوا" حساباتهم البنكية في مصارف سويسرا من "مقاولات" و"مشاريع" هذه البلاد، لرسم ابتسامة على وجه هذا المنكوب أو ذاك النازح من داره، لأن هذا نكب لأن هناك من لعب أو تلاعب بالخدمات التي تقدمها له الدولة، وذاك ما كان لينزح من داره لولا إحساسه بأهمية إفساح المجال أمام قواتنا المسلحة لردع الأُجَراء المتسللين!. من حقنا جميعاً على هؤلاء التجار الذين باتوا يتباهون بيخوتهم الفارهة على شواطئ "نيس" و"كان" وبيوتهم الفخمة في "مرسيليا" و"ماربيا" و"كاليفورنيا"، وحتى في "عالية" و"بحمدون"، أن يساهموا في ترميم النفوس المكلومة في جدة والخوبة ومراكز الإيواء في جازان، ولا أقول من حقنا جميعاً عليهم أن يشاركونا في بناء الوطن، لأنني أعرف جيداً أن بعضهم – أشدد على بعضهم – أصبح لا يأتي إلى الوطن إلا لتوقيع هذه "المناقصة" أو تسلم مستحقات تلك. في الختام، يطيب لي أن أشكر الفنانين راشد الماجد وماجد المهندس على أغنتيهما في جنودنا البواسل على الحدود الجنوبية، والشكر موصول للفنانين حسن عسيري وفايز المالكي على زيارتهما لمنكوبي جدة.