ومن الحضارة أن نستقيل... استقيلوا يا كل المقصرين... استقيلوا يا كل من لم يعطِ وطنه كل إخلاصه وشفافيته... استقيلوا يا كل من همته نفسه فقط... استقيلوا يا كل من بقي في منصبه ولم يقدم شيئاً يرقى بهذا الوطن الذي لم يبخل عليه بشيء... استقيلوا فقد ملت منكم المناصب والكراسي والشجر والحجر. جندت الدولة معظم طاقاتها، ولا أقول كل طاقاتها، فمازال في الجعبة كما نظن الكثير، مما لا نزال ننتظره ممن سل الحسام في وجه التخاذل لخدمة حجاج بيت الله الحرام، الذي وضعه الله أمانة بين يديه، ففاقت تلك الخدمات ما يتوقعه كل ذي ضمير حي، ولكن بعض الضمائر التي تعيش في هذا الوطن، على رغم كل ذاك نامت، أو سافرت في مهمات خاصة لذاتها المتعلقة بحبها. مضت السنون وظلت تلك الضمائر معلقة بهوى ذاتها، وظلت محبة لأنفسها، لا لسواها. ظلت تلك الضمائر تتأرجح في عشق أبدي لذاتها ومصالحها الخاصة التي تتطور وتتمدد كمياه البحيرات المردومة. لم تفكر قط أنها أهملت أو تناست واجبات أوكلت إليها، لتكون في خدمة مجتمع هي منه، ومنه تستمد عزتها ووجودها. لم تهتم قط، وهنا وقعت الفاجعة التي فضحت هروبهم إلى ذواتهم المغرقة بالأنانية، في أوقات الحق العام الذي خذلوه. كانت ظواهر الفساد تغنّي في ما يشبه الأنين، ولكن لأن صوت رنين العملات المكدسة التي ترحل إلى خارج مواقعها كان يصيبهم بالطرب، ظنوا أن ليلهم العابق بالصور المؤطرة بالألوان البعيدة عن ألوان البيئة سيظلل بحيرتهم التي يعومون فيها بالمسك الذي استطابوه وما استطابهم، فهوت الرياح بما لم يبقِ ولا يذر... زمجر المطر، وها هي ذي السماء تغسل ألوان الكذب المتراكم منذ سنين، لتقول لهم: كذبتم هنا وتكذبون هناك. بكت جدة الحبيبة، وبكت معها القلوب التي هالها ما رأت!! وهنا نقول لجدة الحبيبة: ظلي حبيبة في القلب على رغم الكارثة، فها هو ذا الوالد الحبيب الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يكفكف دمعك الذي أغرق قلوبنا جميعاً، بتشكيل لجنة المحاسبة، التي سيكون قائدها رجل المهمات الصعبة، الأمير خالد الفيصل، الذي سيكون بإذن الله سيفاً من سيوف الحق، الذي لن تأخذه في الحق لومة لائم، وهنا نقول له مع أهل جدة وما جاورها: خالد الفيصل أيها العزيز، لك صباحات التفاؤل والوفاء ولنا منك الحسم المجيد. أعود لما افتتحت به هذا المقال: لأقول: لنا في الاستقالات عبرة وحضارة، مثل كل المجتمعات المتحضرة، يستقيل كل من لم يجد في نفسه الكفاءة، لقد ألجأتم الدولة لما لم تكن ترغبه، من محاسبة وتحقيقات، لم تكونوا بحاجة إليها، لو أنصفتم وطنكم ومجتمعكم بأداء ما أوكل إليكم من مهمات نبيلة. في الختام صرخة محب: ليستقل كل من لم يؤدِ عمله كما أوكل إليه. [email protected]