تصارع الأجزاء المتبقية من طريق الفيل الواقع في الشمال الشرقي من منطقة الباحة البقاء كشاهد ملموس على كبرياء أبرهة الحبشي الذي مر من خلاله بقوافل من الفيلة الضخمة منذ نحو 1500عام ، ورحلات الشتاء والصيف، التي طالما وردت المؤن وغيرها من الحملات التجارية من خلال الطريق الذي يربط مكةالمكرمة باليمن والشام، إلا أن حالته اليوم ليست على ما يرام، بسبب القرون التي بدأت تزحزح صخوره، وتمحو أثره شيئاً فشيئأً. ويؤكد المؤرخ والباحث في طريق الفيل محمد الصالح ل «الحياة»، أنه توجد على جنبات الطريق رسومات حبشية، وأرقام تعود إلى عهد قديم من زمن الكتابة والترقيم، مشيراً إلى أن رسومات الفيل نحتت بطريقة عالية في الدقة، وفي مسافات متباينة ومتباعدة. ويشيع بين سكان منطقة الباحة استياء شديد، بسبب عدم اهتمام الجهات المعنية لا سيما هيئة السياحة والآثار، إذ إن الطريق يعاني حالياً من اختفاء بعض ملامحه، واندثار أجزاء منه، ويطالب السكان الجهات ذات العلاقة بالعناية واستثمار موقع الطريق الأثري، كونه يعد قاطباً سياحياً مهماً للمنطقة. بدروه، أوضح المدير العام للمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والآثار الدكتور عوض الزهراني ل «الحياة» أنه تم توثيق وتسجيل مسار الطريق الممتد من الحدود السعودية اليمنية إلى مكةالمكرمة، من خلال بعثات علمية متخصصة أوفدها قطاع المتاحف والآثار. من جهته، قال المدير العام للهيئة العامة للسياحة والآثار في منطقة الباحة زاهر الشهري خلال حديثه إلى «الحياة» إن الهيئة لديها أولويات تنفذها تجاه بعض المشاريع في المنطقة، وطريق الفيل ليس من ضمن قائمة أولوياتها خلال العام الحالي. مؤرخ ل «الحياة»: رسوم «حبشية» وأرقام على جنبات الطريق ... دلائل إلى عهد قديم للكتابة أكد المؤرخ والباحث في طريق الفيل محمد الصالح ل«الحياة»، أنه توجد على جنبات الطريق في المنطقة رسومات حبشية، وأرقام تعود إلى عهد قديم من زمن الكتابة والترقيم، مشيراً إلى رسومات الفيل الموجودة التي نحتت بطريقة عالية في الدقة، وفي مسافات متباينة ومتباعدة. وقال الصالح إن طريق الفيل يقع في الشمال الشرقي من منطقة الباحة، ويبعد عن مركز جرب بحوالى 24 كيلو متراً، أي أن المسافة من الباحة إلى بداية الطريق تقدر بحوالى 70 كيلو متراً، كما يلاحظ المشاهد للطريق مدى القوة المستخدمة في عمليات الرصف بأحجار مستديرة، لتسهيل سير القوافل والفيلة عليها. وأوضح أن الأحجار المرصوفة على جنبات الطريق تحوي العديد من النقوش والخطوط الحبشية، كما تميز طريق الفيل بالرصف من خلال طريقة فنية وتقنية معينة، إذ لا تزال العديد من أجزائه محتفظة بمبانيها كافة على رغم كل تلك القرون التي مرت على بنائه. وأشار الصالح إلى أن الطريق يتميز بكثرة الكتابات والرسوم المختلفة، ووجود أرقام تعود إلى عهد قديم من زمن الكتابة والترقيم، كما توجد رسومات للفيلة نحتت على الصخور بطريقة عالية في الدقة، وفي مسافات متباينة ومتباعدة، وهي تستوقف من يشاهدها. ونوه بأن الطريق خضع إلى عملية ترقيم تحدد مسافاته، إذ يظهر ذلك في شكل واضح على الرموز العددية الموجودة في جنبات الطريق، كما تم استخدام نوع معين من الحجارة الملساء، والتي تم رصفها في أرضية الطريق بطريقة متساوية تماماً، ونوع آخر من الحجارة تم من خلاله بناء رصيف خاص على جنبات طريق الفيل، وهي بمثابة حواجز صخرية. وأفاد بأنه يوجد ما يشبه الطريق المزدوج الذي يسلك إلى بعض منحدرات الأودية، كما يبلغ عرض الطريق قرابة الأربعة أمتار، إذ استخدمت طريقة البناء بأسلوب مختلف يشبه «الجص» في ممرات الأودية، فلا يمكن لمياه الأودية والسيول جرف صخور الطريق التي تم بناؤها لتعبيده. وأضاف الصالح خلال حديثه قصة دخول أبرهة الحبشي لمكةالمكرمة، بصحبة جيشه، إذ عند وصوله إلى مكةالمكرمة برك الفيل، ولم يتحرك، وبدأ الجيش في عملية ضربه ووخزه، لكن دون جدوى، وعمل الجيش على توجيهه ناحية اليمن وبدأ الفيل يهرول، ثم وجهوه ناحية الشام وبدأ في التحرك، ليوجهوه إلى جهة الشرق ليبدأ أيضاً بالتحرك، وحين وجهوه إلى مكةالمكرمة، عاد ليبرك، حتى بدأت جماعات من الطير تلقي الحجارة. الطريق موثق ومسجل من فرق علمية متخصصة أكد المدير العام للمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والآثار الدكتور عوض الزهراني ل «الحياة» أنه تم توثيق وتسجيل مسار الطريق الممتد من الحدود السعودية اليمنية إلى مكةالمكرمة، من خلال بعثات علمية متخصصة أوفدها قطاع المتاحف والآثار. وقال الزهراني إن الطرق التجارية لعبت دوراً كبيراً في اقتصاد شبه الجزيرة العربية، وخدمة تجارة العبور وبفضل الانتعاش الاقتصادي الذي عاشته التجارة خلال فترات مختلفة من العصور القديمة أولى العرب الطرق التجارية اهتماماً كبيراً، لافتاً إلى أن الطرق التجارية أدت إلى ربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها الشرقي والغربي ما أدى إلى نشأة وازدهار الكثير من المدن في أنحاء من الجزيرة العربية. وأوضح الزهراني أن ثلاثة طرق برية قديمة كانت تربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها، وطريق رابع يربطها من الشرق إلى الغرب، وتظهر معالم طريق التجارة المعروف باسم طريق الفيل على شكل أجزاء مرصوفة بألواح حجرية، كما نشأت على جانبي الطريق محطات تعمل على تنفيذ الخدمات التي يحتاجها عابرو الطريق وغيرهم. وبيّن أن قطاع الآثار والمتاحف أوفد عدداً من البعثات العلمية المتخصصة في مجال الآثار والمتاحف لتتبع مسار الطريق وتسجيل وتوثيق معالمه، وشمل العمل امتداده من الحدود السعودية اليمنية وحتى منطقة مكةالمكرمة، إذ كانت تسلكه القوافل التجارية من جنوب الجزيرة العربية، واستخدم طريقاً للحج خلال الفترة الإسلامية. وأشار إلى أن طريق الفيل لا يعد أقدم الآثار في السعودية، إلا أن الدلائل الأثرية تشير إلى أنه استخدم خلال القرون الأخيرة قبل الميلاد وحتى العصر الإسلامي المتأخر، وأن الطريق يمر بأربع مناطق وهي منطقة نجران، منطقة عسير، منطقة الباحة وصولاً إلى منطقة مكةالمكرمة، مع وجود أجزاء منه ما زالت قائمة وتظهر بوضوح، خصوصاً في الأجزاء الواقعة شرق منطقة الباحة في كل من جرب وكرا والحائط. الأهالي: إهمال «طريق الفيل» من «السياحة والآثار» تسبب في اختفاء بعض أجزائه استياء شديد يشيع بين سكان منطقة الباحة، بسبب عدم اهتمام الجهات المعنية، لا سيما هيئة السياحة والآثار، «بطريق الفيل» الذي سمي بذلك نسبة إلى قوافل الفيلة التي كان يقودها أبرهة الحبشي، متوجهاً بها إلى مكة بغية هدم الكعبة المشرفة، إذ إن الطريق يعاني حالياً من اختفاء بعض ملامحه، واندثار أجزاء منه، ويطالب السكان الجهات ذات العلاقة بالعناية واستثمار موقع الطريق الأثري، كونه يعد قاطباً سياحياً مهماً للمنطقة. ويقول المواطن سعيد الغامدي وهو أحد سكان المنطقة، إن الطريق يعتبر من أشهر الطرق على صعيد العالم الإسلامي، وهو موثق في القرآن الكريم، إلا أن فرع الهيئة العامة للسياحة والآثار في المنطقة، لم يهتم به على الشكل الصحيح، ولم يوله أي اهتمام. كما يعتبر عبدالله عشق وهو أحد مرتادي الموقع الأثري أن طريق الفيل يشد انتباه الزائرين له، بسبب الصخور الضخمة التي وضعت لكي تستطيع الفيلة السير عليها. ويؤكد عبدالله الرفاعي وهو أحد سكان القرية المجاورة لطريق الفيل، أن أجزاء كثيرة من الطريق اختفت تحت الرمال والصخور، لا سيما تلك التي تحاذي الأودية، مشيراً إلى وجود أجزاء أخرى اندثرت في شكل تام بسبب العوامل البيئية التي تكالبت على الطريق خلال القرون الماضية. ويوضح الرفاعي أن مما يزيد الطريق إثارة وجود مبان مهدمة تشبه إلى حد ما الغرف، وهي تنتشر عبر مسافات مختلفة على امتداد الطريق، إذ من المحتمل أنها كانت غرفاً تستخدمها القوافل المارة بالمنطقة للراحة، وهي مبنية من صخور الجبال. ويضيف الرفاعي أن طريق الفيل يظهر بوضوح تام على المواقع الجبلية، إذ يمكن اكتشاف اتجاه الطريق ومساره لمسافات طويلة تزيد في بعض المواقع على الكيلو متر، لافتاً إلى أن طريق الفيل يتخلل جبال السراة في شكل يعكس الدقة الهائلة والتقنية المستخدمة في تحديد مسار شبه مستقيم. «السياحة»: الطريق ليس من أولوياتنا حالياً أوضح المدير العام للهيئة العامة للسياحة والآثار في منطقة الباحة زاهر الشهري خلال حديثه إلى «الحياة» أن الهيئة لديها أولويات تنفذها تجاه بعض المشاريع في المنطقة، وطريق الفيل ليس من ضمن قائمة أولوياتها خلال العام الحالي. وقال الشهري : «إن الجهود التي تبذلها الهيئة، والجهود التي تبذلها وسائل الإعلام في الحفاظ على القيمة الأثرية أمر مستمر، إلا أن الهيئة لديها خلال هذا العام أولويات، وطريق الفيل لا يندرج ضمن أولوياتنا الحالية».