عاشت تركيا أمس يوماً حافلاً بالمفاجآت. وبعد سابقة انقطاع التيار الكهربائي بالكامل عن معظم المحافظات، دهم ثلاثة مسلحين من «جبهة التحرير الشعبي الثوري» اليسارية مجمعاً للمحاكم في إسطنبول واحتجزوا المدعي العام محمد سليم كيراز رهينة، مهددين بقتله، رداً على ما اعتبروه «تهاون أجهزة الأمن والقضاء» في الحكم على قاتل الطفل العلوي بيركن علوان خلال احتجاجات حديقة «غازي بارك» عام 2013. والمفاجأة الكبرى أن محكمة التمييز في إسطنبول برأت 236 عسكرياً أعيدت محاكمتهم بتهمة التآمر عام 2003 لإسقاط الحكومة الإسلامية المحافظة في ما عرف بقضية «أرغينيكون» (المطرقة). وكان لافتاً نسف المدعي العام نفسه القضية التي شغلت الرأي العام خمس سنوات، معتبراً أن «الأدلة واهية، ولا علاقة لها بمخطط انقلابي حقيقي أو بالمتهمين» الذين طالب بتبرئتهم جميعاً. ويعتقد بأن هذا الحكم سيُعيد الهيبة الى المؤسسة العسكرية، مع محاولة الرئيس رجب طيب أردوغان تجييره لمصلحته، بالقول إن «جماعة الداعية المعارض فتح الله غولن لفقت الاتهام للجيش، كما لفقت لحكومته اتهامات بالفساد العام الماضي» بعدما تغلغلت في أجهزة الأمن والقضاء. لكن المتهمين في هذه القضية والمعارضة البرلمانية يؤكدون أن جماعة غولن تصرفت بأوامر من أردوغان أو بعلمه. وخلال احتجاز المدعي العام كيراز، طالب منفذان ظهرا في شريط فيديو نشر على «تويتر»، فيما أحدهما يضع مسدساً في صدغ كيراز، بتقديم الشرطي المُتهم بقتل الفتى علوان (15 سنة) «اعترافاً علنياً» من على شاشة التلفزيون، ومحاكمة الضباط المتورطين بالحادث أمام «محاكم شعبية»، وإسقاط التهم عمن شاركوا في الاحتجاجات. وطوق عدد كبير من رجال الشرطة مبنى محكمة إسطنبول، في وقت دعا والد علوان الى تجنّب إيذاء المدعي العام، وقال: «نريد العدالة من دون سقوط أي قطرة دم، إذ لا نريد أن تبكي أمهات أخريات». ويُرجّح بعضهم أن يكون المسلحان استفادا من انقطاع التيار الكهربائي لتجاوز التفتيش الإلكتروني، وإدخال أسلحة الى مجمّع المحاكم الخاضع لحراسة مشددة. وعطل الانقطاع الأكبر للتيار الكهربائي منذ 15 سنة الحياة في تركيا، خصوصاً في أنقرةوإسطنبول حيث توقفت رحلات المترو والترامواي.