انتقل التوتر السياسي بين الجيش والحكومة في تركيا، على خلفية قضية محاكمة شبكة «أرغينيكون» الانقلابية، الى ساحة القضاء في شكل بات يؤثر في سمعة القضاء ونزاهته، ويثير مخاوف من بدء تراجع الجيش الى خارج الساحة السياسية، ساعياً إلى ملء الفراغ من خلال تجنيد القضاء، واتهامات في المقابل لحكومة رجب طيب أردوغان بتسييس القضاء لمصلحتها. ففي أجواء استثنائية لم تشهد تركيا لها مثيلاً، أمر مدعي محكمة الجنايات في محافظة أرزروم عثمان شانال، باعتقال زميله في المهنة الهان جيهانر مدعي محكمة أرزنجان شرق البلاد، بتهمة ارتباطه ب «ارغينيكون». وهذه المرة الأولى التي يُعتقل مدعي محكمة، بعد تفتيش منزله ومكتبه داخل قاعة المحكمة. وعلى أثر هذا الخبر، انتفضت المؤسسات والجمعيات الحقوقية في تركيا، وعقد المجلس الأعلى للقضاة والمدعين اجتماعاً طارئاً، قرروا فيه عزل شانال مع 4 من مساعديه، بحجة سوء استخدام صلاحياته وتجاوزه القانون. وهذا القرار سيُدخل محاكمة قضية «ارغينيكون» في دوامة، في شأن صلاحيات القضاة والمدعين العامين الذين يساهمون في التحقيقات حولها. وانقسمت الأوساط السياسية حول القرار مجلس القضاة، إذ اعتبرته الحكومة تدخلاً في قضية «ارغينيكون»، فيما أيدته المعارضة الأتاتوركية معتبرة انه انتصار لدولة القانون ضد سياسات «حزب العدالة والتنمية» التي وصفتها ب «حكم الآغا والإقطاعيين». وترى المعارضة أن اعتقال جيهانر واتهامه بالارتباط ب «ارغينيكون»، يشكل انتقاماً للحكومة والجماعات الإسلامية التي تناصرها من هذا المدعي الذي بدأ السنة الماضية تحقيقاً في نشاط جماعة اسماعيل آغا الدينية ونشاطات مؤسسات فتح الله غولن زعيم جماعة النور النورسيه، وسعى الى اتهام الجماعتين بالعمل على قلب نظام الحكم، قبل أن يتدخل مدعي محكمة ارزروم في القضية ويفرج عن المتهمين موقفاً التحقيق بأمر من الحكومة على حد زعم «حزب الشعب الجمهوري» المعارض. وتعتبر المعارضة البرلمانية ان الحكومة تجنّد القضاة من أجل الانتقام من خصومها السياسيين وقضاة آخرين ومدعين يرفضون الامتثال لأوامرها، وتتهمهم من دون دليل بالارتباط ب «ارغينيكون»، للتخلص منهم وتشويه سمعتهم. وفي الإطار ذاته، قدمت المعارضة البرلمانية طلب إحاطة لوزير الداخلية بشير اتالاي الذي تتهمه بتوجيه رسالة شفوية الى «حزب العمال الكردستاني» المحظور، أكد فيها ان الحكومة اختارت قضاة موالين لها سيتولون التحقيق في قضايا الذين سيسلمون أنفسهم من عناصر الحزب، لضمان الإفراج عنهم، وهذا ما نفاه اتالاي. في الوقت ذاته، فتح مدعي عام المحكمة الدستورية عبدالرحمن يالتش قايا تحقيقاً في شأن علاقة الحكومة مع القضاة، بناءً على اتهامات المعارضة حول قضية محاكمة عناصر «الكردستاني» واعتقال مدعي عام محكمة ارزنجان. وكان يالتش قايا رفع دعوى لحظر «حزب العدالة والتنمية» الحاكم عام 2006، بحجة سعيه الى هدم النظام العلماني، لكن الحزب أفلت من عقوبة الحلّ على رغم إثبات التهمة عليه.