كل ما سيصدر من مواقف ومؤشرات نتيجة الاجتماع بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الأسبوع المقبل في البيت الأبيض، ستترتب عليه دلالات وافرازات إما مفيدة أو مؤذية، ولذلك من الضروري أن تكون الرسائل الأميركية بالغة الدقة لكل المعنيين في منطقة الشرق الأوسط المتلهفة إلى التعرف إلى ماذا حقاً في حوزة الرئيس الجديد. اضعف الايمان أن تتضمن العناوين الرئيسية الأسس التالية: أولاً، التأكيد على الالتزام الأميركي بسيادة الأردن واستقلاله ووحدة أراضيه ليفهم ذوو مشروع "الأردن كوطن بديل" للفلسطينيين أن إدارة أوباما ترفضه رفضاً باتاً وقاطعاً. ثانياً، توظيف فرصة الاجتماع لايضاح معالم مفاتيح صنع السلام الفلسطيني - الإسرائيلي وللتوضيح بأن السلام السوري - الإسرائيلي مُستحب ومرحب به ومفيد للمنطقة أجمع، إنما عدم السماح بإسقاط المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية إلى قاع التناسي والنسيان بحجة صعوبة معالجة هذا المسار في ظل الحكومة الإسرائيلية الجديدة المتطرفة واستمرار الانقسام الفلسطيني. ثالثاً، التشديد على أن الولاياتالمتحدة لن تقبل بضرب استقرار دولة كمصر إن كان على أيادي خلية أو تنظيم خارجي أو دولة كإيران لربما تستخدم السودان ممراً إلى ضرب الاستقرار في مصر، متجاوزة بذلك سيادة دولتين عربيتين معاً، وعليه بعث رسالة صارمة إلى طهران تنصحها ألا تسيء قراءة اندفاع الرئيس الأميركي وإدارته إلى الحوار والتفاهم. رابعاً، التحدث بلغة الشراكة الجدية والجديدة مع قوى المنطقة المستعدة للتعايش معاً، شرط أن تحسم هذه القوى أمرها بين التطرف والاعتدال، وتكف عن التوهم بأنها قادرة على "الاحتفاظ بالكعكة وأكلها" إلى أجل غير مسمى، أي التوضيح بأن الاعتدال يبقى ركيزة الشراكات الأميركية الاستراتيجية. وخامساً، أن العاهل الأردني لا يحمل معه الهموم العربية والمخاوف العربية فقط، انه يتأبط مواقف مشتركة لدول بأهمية المملكة العربية السعودية ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة والمغرب والسلطة الفلسطينية. وهو يفهم بدقة كثيراً ما يحدث في دول مهمة للولايات المتحدة كالعراق واليمن. وبالتالي سيستمتع الرئيس الأميركي بالاستماع إلى العاهل الأردني، إنما من المهم له أن يتذكر أن المطلوب منه في هذه المرحلة الانتقالية هو القيادة بشراكة مع ايضاح الخطوط الحمر وعزم الولاياتالمتحدة وحزمها على عدم التفريط بشركائها في الاعتدال مهما بدا للآخرين أنها تحولت في عهد أوباما إلى غنم تخشى الذئب في جيرة الشرق الأوسط. مرحلة فرز السياسات الأميركية نحو اللاعبين الأساسيين في المنطقة قد تترك الانطباع بأن إدارة أوباما ضعيفة في الركاب ولن تلجأ إلى العمل العسكري مهما استُفزت بتحديات، وعليه هذه فرصة لفرض أمر واقع تلو الآخر بلا محاسبة في رأي المتأهبين لاستغلال المرحلة الراهنة. حتى الآن، تبدو الإدارة الأميركية في صدد صوغ السياسات، ويبدو أنها لم تتوصل إلى استراتيجية متكاملة. حتى الأجهزة الحكومية تبدو في انتظار وضوح الرؤية والتصور الاستراتيجي. بعض هذه الأجهزة لا يعرف أين يصنّف منظمات مثل "حزب الله" في لبنان و "حماس" في فلسطين في عهد أوباما بسبب مؤشرات متناقضة على ما إذا تقرر ابقاء هاتين المنظمتين مصنفتين "إرهابيتين" أو أنهما مرشحتان للخروج من هذا التصنيف إذا انخرطتا سياسياً، كل في بيئته الوطنية. البعض يتحدث عن الاحتواء بالترغيب، والآخر يتحدث عن استراتيجيات الاحتواء عبر فصل الرأس عن الجسد. بكلام آخر، هناك من يعتقد أن السبيل إلى معالجة ظاهرة "حزب الله" هو فصل قيادة الحزب عن جسده بهدف التعاطي مع الحزب بصيغته الجديدة. وهناك أيضاً، كالبريطانيين، من أراد انشاء قنوات حوار وبناء علاقات مع "حزب الله" للفصل بين جناحه العسكري وجناحه السياسي. فجاء رد الشيخ نعيم قاسم نائب أمين عام "حزب الله" أن "الحزب موحد بطبيعته ولديه قيادة موحدة" ولا يوجد لديه جناحان عسكري وسياسي، وأن هذا الحزب هو أقوى الأحزاب ليس فقط على الساحة اللبنانية، بل لربما على مستوى المنطقة العربية لما يتمتع به من تأييد وموارد. الموارد متوافرة للحزب والإمدادات مستمرة من إيران عبر سورية وغيرهما، إنما التأييد الاقليمي هو الذي أُصيب بنكسة بعدما قبضت السلطات المصرية على عناصر من "حزب الله" اتهمتها بالتآمر ضد مصر تطبيقاً لمخطط إيراني. وأعلن وزير الخارجية أحمد أبو الغيط أن الحقائق خطرة وموثقة. السيد حسن نصرالله قال إنه أرسل أعضاء من حزبه إلى مصر لتهريب الأسلحة إلى داخل قطاع غزة، وذلك دعماً ل "المقاومة"، فأكد بقوله ذلك ان ما فعله كان انتهاكاً للسيادة المصرية. اليوم، إن التأييد ل "حزب الله" قد انحسر ونجم السيد حسن نصرالله لم يعد ساطعاً في مصر والمنطقة العربية، إنما هناك فرصة أمام الأمين العام وحزبه أن يأخذ مكانه الطبيعي ومكانته كحزب لبناني له كامل الحق أن يشارك في العملية السياسية عبر الانتخابات التي ستجري مطلع حزيران (يونيو). هناك فرصة لإنقاذ لبنانية الحزب عبر القيام بانفصاله عن إيران والقيام بأدوار نيابة عنها في لبنان أو مصر أو العراق أو غيرها. واشنطن قد تكون مستعدة لعلاقة جديدة مع "حزب الله"، بدلاً من وضعه في خانة المنظمات الإرهابية التي تلاحقها إدارة باراك أوباما مهما توصلت إلى تسميات جديدة للحرب على الإرهاب، إنما واشنطن في حاجة إلى تحول ملموس في فكر ورؤية وممارسات "حزب الله" بما في ذلك اقتناعه بأن لا مجال للاستمرار كدولة داخل دولة وكميليشيا موازية لجيش الدولة. الفرصة مواتية لأن إدارة أوباما ستضطر إلى اتخاذ مواقف حاسمة وقاسية ازاء محاولات ضرب استقرار مصر. فإذا جاء ذلك بالتصادم مع إيران، فإن "حزب الله" سيخسر. وإذا جاء بالتفاهم مع إيران، فإن هذا التفاهم الاميركي معها على الصعيد الاستراتيجي سيستلزم استغناء طهران عن «حزب الله». وحتى في اطار اجواء السلم السوري - الإسرائيلي، فالمطروح هو كيفية تقليم أظافر "حزب الله"، وبالتالي أن سيناريوهات الخسارة بسبب أدواره الاقليمية أكثر بكثير من سيناريو الربح، بينما سيناريو الربح عبر المشاركة السياسية حصراً متاح في المحطة اللبنانية. حال الفرز في السياسات الأميركية نحو منطقة الشرق الأوسط لها حسناتها وسيئاتها، إنما على أطراف المنطقة - إيران و "حزب الله" منها - ألا تتسرع في الاستنتاج مهما ظهر أن إدارة أوباما ضعيفة أو مربطة الأيادي بسبب حرب العراق التي يمكن وصفها بأنها حرب بوش، أو حرب أفغانستان التي بدأ وصفها بأنها حرب أوباما. أوباما يقيد نفسه سياسياً في الصندوق الديبلوماسي والتفاوضي بعدما قيّد بوش نفسه عسكرياً في صندوق حرب العراق والحرب على الإرهاب. هذا لا يعني أن أوباما يجب أن يرتمي على أقدام العنجهية الإيرانية مقيّداً ديبلوماسياً وعسكرياً بسبب سيرة بوش في العراق وسيرته في أفغانستان. أمامه خيارات، فالجمهورية الإسلامية في إيران تتظاهر بالقوة وتوحي بأنها جبارة ونووية وقائدة اقليمية في وسعها الهيمنة وحتى ضرب استقرار دولة كمصر. عدم ايقافها عند حدودها في هذه الحقبة بالذات سيجعلها تظن أن الرئيس الأميركي يبيح لها هذه التجاوزات، ضمناً، لأنه عاجز عن ايقافها. عندئذ ستتفاقم الأمور في المنطقة، وستدخل في سباق نووي، وستخرج عن قدرات الولاياتالمتحدة لممارسة دور فيها، ولن يكون في الوسع لوم إدارة بوش وحدها كما تجري الرياح اليوم. أمام الرئيس الأميركي أن يذكّر إيران بأن الولاياتالمتحدة دولة عظمى، وبأن هناك خطوطاً حمراً لن تسمح بتجاوزها. فإذا أرادت التفاهم، كل شيء يجب أن يوضع على الطاولة، من طموحاتها النووية إلى خططها الاقليمية، ومن العراق إلى مصر، ومن "حزب الله" إلى "حماس". أما إذا أرادت التظاهر بالاستعداد للمساومة فيما تمضي قدماً بخططها التخريبية، ليس في وسع إدارة أوباما أن تدفن رؤوسها في الرمال في عملية شراء وقت خطير على أرض الواقع. التطورات في مصر لا يُستهان بها، بل إنها تحمل في طياتها خطراً داهماً، ليس على النظام الحاكم فحسب، بل على مصر نفسها. وهذا يستدعي موقفاً للرئيس الأميركي يوصل الرسائل الواضحة العلنية منها وتلك عبر مبعوثين من نوع أو آخر. المناسبة الأخرى لرسائل بناءة هي الاجتماع مع الملك عبدالله الثاني في البيت الأبيض. فالأنظار منصبة على ذلك اللقاء لاستنباض مدى جدية الرئيس الأميركي في تعهده بالدفع نحو "حل الدولتين" في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، ومدى استعداده لمعارضة تملص حليفه الإسرائيلي من هذا الخيار، ومدى جرأته على إعلان الخطوط الحمر مع إسرائيل لإبلاغها أن الأردن صديق وشريك ولن تسمح الولاياتالمتحدة بطرد جماعي للفلسطينيين إلى الأردن لتحويله "الوطن البديل". إرث الإدارات الأميركية السابقة عبر عقود يتسم بصيت التحذير من الثقة باستمرارية الشراكة الأميركية، إذ أن السمعة الأميركية لها نكهة خيانة تعهدات البقاء على عهد الصداقات، لذلك التردد في وضع البيض في السلة الأميركية. هذا الصيت يجب معالجته بإجراءات عملية اصلاحية للسمعة الأميركية، وإلا فإن انعدام الثقة سيؤدي إلى تآكل الشراكات الضرورية للمصالح المشتركة في أكثر من بقعة وقارة، وهذا هو أحد أهم التحديات امام لرئيس الأميركي الجديد: صوغ وحياكة الثقة بالشراكة مع أميركا. قلة هم القادة الذين يمكن للرئيس أوباما أن يركن إلى رغبتهم بحياكة الثقة المتبادلة، والعاهل الأردني هو أبرز أحد هؤلاء القادة. فهو الشريك في الاعتدال، وهو يأتي الأسبوع المقبل إلى واشنطن ليس فقط بصفته العاهل الأردني الراغب في علاقة ثنائية صحية واستراتيجية مع الولاياتالمتحدة، وإنما ايضاً كمبعوث لقوى الاعتدال العربي التي تريد للرئيس الأميركي أن يتوقف ليفكر ملياً في معنى استمرار انحسار الثقة واستمرار التشكيك بالرغبة وبالقدرة الأميركية على الشراكة بكامل معناها. فالخطر ليس فقط في الفراغ، وإنما أيضاً في هوية وطبيعة وغايات من يملأه بعنجهية، مراهناً على عدم قدرة الولاياتالمتحدة على الخروج من ملجأ الخوف من المواجهة والمحاسبة.