الكاتب الأميركي الساخر «صموئيل كليمنس» أو كما يدعى «مارك توين» كان من أجهل الناس بشؤون المال، وكم كانت تستهويه المشاريع الخيالية المتعذرة النجاح، ومن ذلك أنه قرأ عن تجارة الكاكاو فسيطرت عليه فكرة شرائه من مواطن زراعته عند نهر الأمازون، ممنياً النفس بجمع ثروة من تجارة لا يعرف عنها ولا عن لغة أهلها شيئاً، فصمم بعد عثوره يوماً على ورقة نقود مطروحة على الشروع في مشروعه، ثم نفد المبلغ الذي كان بحوزته فاضطر إلى التخلي عنه، والتقى ذات نهار بمخترع شاب اسمه «الكسندر جراهام بيل» حاول استمالته لاستثمار ماله في اختراع حديث مطلقاً عليه كلمة «التليفون»، شارحاً له كيف يستطيع وبواسطة سلك ممدود وهو جالس في بيته أن يخاطب صديقه الموجود على بعد خمسة شوارع، ليطلق مارك ضحكته الساخرة قائلاً: «قد أكون غبياً ولكنني لست مجنوناً لألقي بمالي في أسلاك تتكلم.. ياله من اختراع سخيف!»، وعوضاً عن شراء بمبلغ تافه ما أصبحت قيمة أسهمه لاحقاً ملايين الدولارات، أقرض المبلغ التافه ذاته لصديق له أعلن إفلاسه بعدها بثلاثة أيام، ليجد الكاتب نفسه وهو في ال 58 من عمره غارقاً في بحر من الديون وملف من اعتلال الصحة، في الوقت الذي كانت بلاده تعاني فيه من وطأة كارثة مالية، ولكن شرفه أبى عليه إعلان إفلاسه، فارتأى المضي قدماً في تأليف الكتب والسفر حول العالم لإلقاء المحاضرات، ليتمكن وفي غضون 5 سنوات من التعامل مع صعابه وتسديد كامل ديونه، بفضل عوائد مؤلفاته ومحاضراته التي تعذر إيجاد قاعات تتسع للجماهير المحتشدة لسماعها. كلمة أخيرة: قام العاملون في قسم الأبحاث والتطوير في شركة «فورد موتور» بابتكار ما يعرف ب «الطلاء الكهربائي»، اذ يمكن استخدامه في طلاء السيارات بطريقة تضمن تحسين مقاومة الأسطح المعدنية للصدأ، ووصول الدهان إلى أدق الفتحات والشقوق، وعلى رغم أن شركة فورد كانت أول من ابتكر هذا الطلاء عام 1958، إلا أنها لم تقم باستعماله إلا بعد 15 عاماً، الأمر الذي لم يستطع معه قسم التصنيع في الشركة من إقناع إدارتها المالية كيف أن الشركة ستسترد كلفة إنشاء وحدات الطلاء الكهربائي بزيادة حجم المبيعات نتيجة للميزة الجديدة، بخاصة أن الشركة كانت تعاني أصلاً من مشكلات ناجمة عن التعجل في مراقبة الجودة، إضافة إلى زيادة كلفة الضمان ومصروفات الصيانة، ومع هذا، فقد وافق مسؤولو فورد على تطوير سياراتهم بأسلوب الطلاء الكهربائي، ليمثل قرارهم برهاناً كافياً يؤكد أن النتائج «بعيدة المدى» تبتلع المكاسب «قصيرة المدى»، بشعار يسود شركة فورد اليوم وكلماته: «الجودة أولاً وقبل أي شيء آخر». فإن كان مارك توين وهو الإنسان العادي استغرقته صعابه (المقدور عليها) خمس سنوات لحلها، فكيف بمشكلات مدينة في حجم جدة بعدد قاطنيها وتراكماتها المتفاقمة؟ لا وجه للمقارنة، ولكن الفكرة أن المشكلات متى ما بلغت حدها فقد حان وقت زوالها، إنما التخطيط ثم التنفيذ ليس كما التنفيذ بلا تخطيط (اكتوينا بناره)، فالوقت هنا هو الفيصل حتى لا نقع في أخطاء أخرى نعالج بها الأخطاء الأولى. وقالوا: «ما يحققه الصبر لا تحققه القوة» بيرك [email protected]