تتضح اليوم، استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما للمرحلة المقبلة في أفغانستان، كما تتضح فرص نجاح هذه الاستراتيجية مع ظهور ردود الفعل الأولى للحلفاء في «الأطلسي» على طلبه منهم في الخطاب في كلية «ويست بوينت» العسكرية في نيويورك، والذي طال انتظاره، إرسال ما بين خمسة وعشرة آلاف جندي الى أفغانستان، لمؤازرة حوالى 30 ألف جندي أميركي قرر إرسالهم الى ساحة المعركة في إطار استراتيجية للحسم في أسرع وقت ممكن، تعتمد على رفع جهوزية القوات الأفغانية لمواجهة تمرد حركة «طالبان». ومع إدراكه الانحسار المتزايد في شعبية الحرب في الولاياتالمتحدة والغرب عموماً، ارتكزت استراتيجية الرئيس الأميركي ليس فقط على تحسين أداء القوات الأفغانية في المستقبل القريب، بل استندت كذلك الى دور إسلام آباد في مكافحة المسلحين المتشددين على الجانب الباكستاني من الحدود، في إطار رسالة الى حكومتي البلدين، مفادها أن الوقت حان كي تضطلعان بدورهما في حسم الحرب ضد «طالبان» وحليفها تنظيم «القاعدة». ولم يكن في وسع أوباما تجاهل طلب قائد القوات الأميركية و «الأطلسية» في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال إرسال 40 ألف جندي إضافي، لكنه مع حصر عدد الجنود الأميركيين ب 30 ألفاً، رمى الكرة في ملعب الحلفاء لتأمين العديد المتبقي من الجنود. ويجد البريطانيون صعوبة في تحمل مسؤولية الأمر وحدهم، إذ سارع رئيس وزرائهم غوردون براون الى استباق دعوة أوباما بإعلان قراره إرسال تعزيزات لا تتعدى 500 جندي، ليصل عدد القوات البريطانية في أفغانستان الى خمسة آلاف، في مقابل مئة ألف جندي أميركي، مع الأخذ في الاعتبار التعزيزات الجديدة. وعلى رغم تقارير عن استعداد كل من فرنسا وإيطاليا لإرسال 1500 جندي، شككت مصادر في باريس في تجاوب الرئيس نيكولا ساركوزي مع هذا الطلب، فيما تحاول المستشارة الألمانية انغيلا مركل تفادي اتخاذ قرار قبل عقد المؤتمر الدولي حول أفغانستان في لندن، نهاية كانون الثاني (يناير) المقبل. وفي محاولة لتخفيف وطأة الصعوبات الداخلية في تسويق الحرب، أكد الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس أن المهمة العسكرية الأميركية الأولى في أفغانستان ستكون تدريب القوات النظامية المحلية، لتتمكن من ضمان الأمن وشن حرب على حركة التمرد، «ما يعني أن استراتيجية أوباما تسعى في الدرجة الأولى الى إيجاد وسائل للخروج من الصراع، مع الاهتمام بتأمين الاحتياجات الرئيسية في ميادين المواجهات المسلحة مع حركة طالبان، وأهمها في مناطق الجنوب». ولم تستبعد صحيفة «ذي غارديان» البريطانية أن تتضمن الاستراتيجية الأميركية الجديدة، تعيين موفد دولي خاص يتمتع بصلاحيات لإدارة شؤون أفغانستان، في محاولة لتخطي حكومة الرئيس حميد كارزاي التي تتعرض لانتقادات كثيرة بسبب الفساد. وتعيد «صيغة» المبعوث الدولي الى الأذهان، المهمة التي تولاها بول بريمر في العراق، وأحيطت بانتقادات لا تزال تداعياتها مستمرة. وأثارت المبادرة الأميركية التي يقف خلفها ريتشارد هولبروك، المبعوث الخاص الى أفغانستان وباكستان، انقساماً بين واشنطن والحلف الأطلسي (ناتو) الذي يعتقد أن الإجراء سيقّلص شرعية رئاسة كارزاي والدور الذي تضطلع به الأممالمتحدة في أفغانستان. وبخلاف الولاياتالمتحدة، تبدي الدول الأوروبية في الحلف الأطلسي وكندا ثقتها بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة كاي ادي «خصوصاً انه نجح في إقناع كارزاي بتعيين وزراء افضل». ويتوقع أن يتخذ القرار النهائي في شأن استحداث ذاك المنصب على هامش مؤتمر لندن نهاية كانون الثاني لدرس خيارات نقل السيادة الأمنية الى القوات الأفغانية.