يثير العمل الأدبي، كما يقول ياوس، أصداء مختلفة لدى القراء، ومن ثمّ يحرر نفسه من مادية الكلام ويحقق وجوده في العالم المعاصر. ومن هنا فإن تاريخ الأدب يتشكل من عملية التلقي والإنتاج الجمالي على صعيد القارئ والناقد والمؤلف، في سيرورة إنتاجه الأدبي. إن النص يقيم حواراً لا ينقطع بين الماضي والحاضر حيث يتم فهم الماضي واستقباله من خلال الأفق الثقافي للحاضر. ولكي يصبح فهم الماضي ممكنا يطالب ياوس بنوع من «اندماج الآفاق» لتوحيد الماضي والحاضر. إن ياوس يضع العمل الأدبي في «أفقه» التاريخي، وفي سياق المعاني الثقافية التي سبق إنتاجها، ثم يعمل على تفحص العلاقات المتغيرة بين هذه المعاني و «الآفاق» المتغيرة لقراء العمل التاريخيين. وهدف الناقد هانز روبرت ياوس، من هذا الاختبار، هو خلق نوع جديد من التاريخ الأدبي الذي لا يركز على المؤلفين والتأثيرات والتيارات الأدبية، بل على تأويلات الأدب في لحظات «استقباله» التاريخية. وحسب نظرية ياوس فإن الأعمال الأدبية لا تبقى ثابتة، في الوقت الذي تتغير التأويلات، بل إن النصوص والتقاليد الأدبية نفسها تتغير استنادا إلى «الآفاق» التاريخية التي تُستقبل ضمنها. لكن كيف يمكن للعمل الأدبي الجديد، الذي ينتهك القواعد المستقرة المعروفة لدى القراء، أن يقدم نفسه؟ يرى هانز روبرت ياوس أن العمل الأدبي الجديد لا يقدم نفسه للقارئ بوصفه جديداً تماماً. إنه يعرض نفسه على القارئ من خلال الإشارات الصريحة والمقنّعة، والتلميحات الضمنية والخصائص المألوفة بالنسبة للقارئ؛ موقظاً بذلك بعض الذكريات في نفسه جاعلاً إياه يتوقع شكل بداية العمل ونهايته، حيث يعمل في هذه الحالة على مخالفة توقعات القارئ أو إعادة توجيهه، على مدار النص، أو أنه يعمل على إيقاظ حس المفارقة فيه، بحيث يكون باستطاعة الكاتب أن ينوّع على هذه التوقعات، أو يقوم بتغييرها، أو تصحيحها، أو إعادة إنتاجها. كل ذلك يحدث استناداً إلى القواعد والقوانين الخاصة بالنوع أو بالشكل الأدبي للنص لكي يحدث، ما يسميه هانز روبرت ياوس، «تغيراً في آفاق التوقعات».