«قصر الأحلام» في بلدة بخعون الشمالية اللبنانية في الضنية بقعة أخّاذة تحتضن بين أسوارها ثقافات وحضارات متباينة من الفينيقية والفرعونية إلى الرومانية والعربية، إضافة إلى اللمسات الدينية التي ترمز للأديان السماوية الثلاثة، من دون أن تغفل احتضان بعض المعالم التراثية اللبنانية. إنها أحلام رجل مبدع راحل، فقد استطاع محمد هوشر بجهوده الفردية تحويلها الى واقع من خلال هذه التحفة المعمارية المزخرفة بشتى أنواع الأحجار والزخارف. يتربّع «قصر الأحلام» الذي بدأ بناؤه في العام 1991 على تلة مرتفعة، ويعتبر اليوم تحفة فنية فريدة لا تشبه أي بناء أو قصر أو بيت في لبنان وفي المنطقة العربية. يمتد القصر الذي يتكوّن من طابقين مغطيين بالموزاييك والأحجار الملونة على مساحة 5200 متر مربع مبنية بمختلف أنواع الأحجار كالعقيق اليماني والغرانيت الملون والصوان. تبدو فيه رموز الأديان المختلفة والحضارات القديمة، إضافة الى التراث اللبناني. وهكذا نجد: الأرزة، والرماح، والسيف والترس، والبنادق، والقارب البدائي، والطاحونة، والخيمة العربية، والديوان، والأباريق، والخيول، والمغارة، وجرن الكبة، وقلعة بعلبك، وقلعة عنجر، وقلعة المسيلحة، وصخرة الروشة، والنقوش والكتابات وغير ذلك. وكل ما سبق ذكره صُنع من حجر لبنان، وبالأحرى من حجر بخعون وجوارها، وهو حجر طبيعي اسمه «أونيكس» وتسميه العامة «ملح القاق». وهو حجر رقيق وشفاف له صلابة الصخر لونه عسلي ولكنه يتلألأ ويلمع إذا ما قاربته الشمس بنورها، أو انعكس عليه ضوء القمر، فيأخذ ببصر ناظريه متوهجاً متألقاً بومضات ألوان قوس قزح. وإلى جانب «أونيكس» استعملت أحجار أخرى، كحجر الصوان والغرانيت وغيرها من الحجارة الصفراء والسوداء والحمراء. وللأطفال نصيب في فن هوشر، فالمتجول في القصر تلفته الرسوم الكرتونية التي حولها هوشر إلى مجسمات حجرية ضخمة ملونة ومزخرفة بطريقة فنية مميزة، فعربة «ساندريلا» وقصر «علاء الدين» والمدافع أصبحت متاحة واقعاً وعياناً لكل زوار القصر. نجلا المرحوم محمد، طلال وربيع، يقولان إن والدهما الذي كان يعمل بالبناء والعمارة قرر أن يبدأ ببناء القصر بمهاراته الفردية واليدوية مترجماً ما عنده من أفكار وإبداعات بقصر وهياكل ومجسمات مميزة بطريقة بنائها وزخرفتها من دون تصاميم مسبقة. وفي سؤال حول كلفة هذا القصر، يقولان إن التكاليف الإجمالية التي دفعت على بناء القصر الذي لم ينجز بشكل نهائي بلغت حوالى المليون دولار. وعن الشعارات الدينية الموجودة بين معالم القصر: «والدنا كان متديناً جداً، وهذا ما عكسه في فنه وعمله، إضافة إلى كثير من التحف الفنية الموجودة التي تضفي نوعاً من الفرح والسرور والانبهار على كل من يزور القصر». وأشارا إلى أن الفكرة بدأت عند والده وابنته داليدا مع بناء منزل صغير، تطورت في ما بعد إلى أن وصلت الى «قصر الأحلام». ولم يخف هوشر أن «العمل اليوم يسير ببطء بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وضيق الوقت»، داعياً «المهتمين بمشاريع كهذه إلى تقديم المساعدة من أجل تحويل هذا القصر موقعاً سياحياً مهماً بعد أن تقاعست الدولة اللبنانية عن أداء دورها في هذا المجال». وبعد إطلاعنا على العمل المبدع للراحل هوشر وأبنائه، نشير إلى ضرورة توفير الدعم الرسمي لمالكي هذا القصر، خصوصاً لأنه يقع في منطقة تعاني من الإهمال بشكل عام، وندعو اللبنانيين والأشقاء العرب لزيارته والتمتع باللوحات الرائعة التي يضمها، علماً بأن الزيارات متاحة للجميع بصورة شبه مجانية أحياناً، ومجانية تماماً في أوقات كثيرة.