ولمعاناة اللاجئين السوريين في الأردن أشكال وألوان عديدة، منها ما كشفته أخيرا منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن ما يزيد على 40 في المئة من الأطفال ليسوا على مقاعد الدراسة. ويبدو أن «يونيسيف» ومنظمات دولية أخرى، وجدت في الذكرى الرابعة توقيتاً مناسباً لدق ناقوس الخطر، محذرة من ضياع جيل سوري كامل يقبع في الشتات، ويرزح تحت نير الجهل والأمية، على وقع حرب طاحنة طال أمدها. وتعتبر مدينة إربد القريبة من الحدود الأردنية- السورية شاهداً على عمالة الأطفال السوريين، الذين اضطرتهم الأوضاع الاقتصادية السيئة إلى ترك مقاعدهم الدراسية، التي وفرتها لهم الحكومة الأردنية من دون مقابل، من أجل إعانة عائلاتهم. وفي أحد المطاعم الشعبية التي تفتقد الرعاية الرسمية، يعمل الطفل «محمد الدرعاوي» (15 عاماً) الذي هجرته الحرب من مدينته الحدودية درعا، في محاولة لتأمين قوت عائلته، التي تعاني كما غيرها شح المساعدات المقدمة للاجئين. ويبدو أن «الدرعاوي» الذي يعاني وعائلته لظى العيش، حمل وغيره من الأطفال السوريين المسؤولية مبكراً، فقطع دراسته مُرغماً منذ 4 سنوات. ويقول إن آخر صف دراسي تعلم فيه كان السادس الابتدائي، وهو يعيل حالياً أسرته بعدما فرقت الأحداث بينه وبين والده الذي قضى في المواجهات بين المعارضة المسلحة وقوات النظام في درعا. ويضيف: «أعمل في المطعم من الساعة السابعة صباحاً وحتى الخامسة مساء، وبالكاد أحصل على خمسة دنانير أردنية، أساعد بها أهلي بعد استشهاد والدي في سورية، ولا مصير أمامي غير ذلك». ويتابع: «طالما تمنيت أن أكمل دراستي، وأن أذهب إلى الجامعة، وأن أخدم بلدي، لكن الظروف كانت أصعب منا. النظام دمر كل شيء. لقد دمر آمالنا وأحلامنا في حياة أفضل». وما من شك أن استعار الحرب في سورية لن يمكن أطفالاً كثراً مثل محمد من مواصلة تعليمهم، اذ وضعت هذه الحرب الأطفال السوريين في مواجهة مصير مجهول، بعد فقد كثير منهم آباء وأمهات. وما من شك أيضاً أن شبح الأمية الذي يلاحق محمد وأقرانه، من شأنه أن يلاحق جيلاً كاملاً داخل المخيمات السورية المتناثرة على طول الأراضي الأردنية وعرضها، عوضاً من الجيل الذي بات يعيش خارج تلك المخيمات. ويقول بسام صالح مسؤول التعليم في منظمة «يونيسيف»، إن «قرابة 90 ألف طالب سوري يعيشون في الأردن باتوا خارج مقاعد الدراسة، لكننا نسعى حالياً إلى إيجاد فرص تعليم بديلة لهؤلاء، حتى لا يكون مصيرهم الضياع». ومن هذه الفرص قيام «يونيسيف» أخيراً بإنشاء مراكز بديلة لتعليم الأطفال السوريين، لكن هذه المراكز كما يؤكد المسؤولون الأمميون تحتاج دعماً دولياً وإقليمياً كبيرين. ورفعت منظمة الطفولة نداءات إقليمية كثيرة خلال الفترة الماضية، مطالبة بتقديم 814 مليون دولار أميركي لتحقيق هذه الرعاية للعام الحالي، لم يصلها كما تقول من هذا المبلغ إلا 12 في المئة. وفي أحد هذه المراكز المقامة في محافظة الزرقاء (شرق عمان) يستفيد الطفل محمود الحريري (10 سنوات) من البرامج التعليمية المقدمة. ويعبر الحريري عن سعادته بالجلوس على مقاعد الدراسة: «هنا أتعلم قراءة الأحرف والكتابة والرسم. أشعر بسعادة كبيرة». لكن مسؤول الإعلام في منظمة «يونيسيف»، سمير بدران، يقول إن «المشكلة الرئيسية التي نواجهها اليوم هي الوصول إلى ال90 ألف طفل الذي ابتعدوا من المقاعد الدراسية». ويضيف: «نعمل حالياً على توفير التعليم لهؤلاء الأطفال، كتعليم غير نظامي». وكان الأردن فتح مدارسه الحكومية للأطفال السوريين، واستعاد نظام الفترتين الصباحية والمسائية، ليتمكن من استيعاب أكبر عدد منهم، بينما عملت منظمات دولية وعربية لتوفير التعليم في المخيمات وفق مضامين تعليمية بسيطة تهدُف للإبقاء على صلة الطلاب بالدراسة فقط. وبين 220 ألف طالب يفترض أن يكونوا على مقاعد الدراسة، تم توفير التعليم لحوالى 130 ألفاً.