بعد مرور سنتين على الأزمة المالية الحادة التي ضربت قبرص، حققت الجزيرة المتوسطية نتائج اقتصادية مشجّعة. لكن كانت لخطة الإنقاذ انعكاسات شديدة على المجتمع، حيث باتت البطالة تطاول أكثر من 16 في المئة من السكان. وأكد وزير المال القبرصي هاريس جورجيادس، في حديث الى وكالة «فرانس برس»، أن قبرص «لن تحتاج إلى قيمة خطة الإنقاذ كاملة والبالغة 10 بلايين يورو، لأن اقتصادها يتعافى بوتيرة أسرع من التوقعات». وقال إن «الأوضاع أفضل كثيراً، حتى ولو لا يمكن اعتبار الأمور على ما يرام». وشدّد على أن «الاقتصاد في نهوض وكل فصل يشهد تحسناً، ولو أن الاقتصاد لا يزال في مرحلة انكماش». وتوقّع تسجيل «نموّ ضعيف خلال العام الحالي». وأشار جورجيادس إلى أن قبرص تلقت حالياً «ما يزيد بقليل عن ستة بلايين يورو» من الدائنين، «وحققت منذ ذلك الحين تقدماً مهماً على كل الصعد». ولفت إلى أن معدل البطالة «بدأ يتراجع فيما المالية العامة تحت السيطرة». وأعلن تسجيل «فائض أولي في الموازنة خلال العام الماضي، أي قبل سنتين مما كان متوقعاً». وشدّد على أن «القطاع المصرفي بات مستقراً مع تدفّق رؤوس أموال جديدة». وقبل سنتين، استيقظ القبارصة في 16 آذار (مارس) على صدمة تمثّلت في اشتراط الدائنين لقاء خطة قيمتها 10 بلايين يورو لإنقاذ اقتصادهم من الإفلاس، اتخاذ تدابير تقشف صارمة والاقتطاع من الحسابات المصرفية. وشكّل ذلك سابقة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، ومؤشراً إلى أزمة تعتبر سابقة، ستعصف بالجزيرة بعد سنوات من النمو ومن توافر الوظائف للجميع في شكل شبه كامل. ومع تصفية ثاني أكبر مصارف الجزيرة، واقتطاع 47.5 في المئة من الحسابات التي تفوق مئة ألف يورو في المصرف الأول وخفض الأجور، غرقت قبرص في الانكماش. لكنها أثبتت شهراً بعد آخر، أنها من أعضاء الاتحاد الأوروبي بجدارة بالتزامها الصارم تدابير التقشف المطلوبة، خلافاً لليونان، التي كانت سبب الأزمة التي طاولتها بسبب انكشاف المصارف القبرصية على الديون اليونانية. ومع اقتراب الذكرى الثانية لخطة الإنقاذ، أبدى رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي ارتياحه لأداء قبرص، مثنياً على النتائج «اللافتة» التي حققتها. وأكد خبراء قابلتهم «فرانس برس» وبينهم خبير الاقتصاد ميخاليس مايكل، أن قبرص «حققت نتائج أفضل مما كان متوقعاً»، سواء على صعيد الموازنة أو في تطوّر الاقتصاد، الذي بلغ تراجعه 5.4 في المئة عام 2013، مقارنة بتوقعات نسبتها -9 في المئة، و2.4 في المئة عام 2014 في مقابل -4.8 في المئة كانت متوقعة. لكن، كانت لتدابير التقشف تبعات اجتماعية فادحة، إذ أغلقت المحال الصغيرة واحداً تلو الآخر، وخسر قبارصة كثر وظائفهم أو أُرغموا على القبول بخفوضات في الأجور بلغ معدلها 25 في المئة. وقالت تروي فيليو (50 عاماً) التي كانت تعمل سكرتيرة وسُرّحت من وظيفتها قبل 18 شهراً، إنها تحاول العثور على عمل منذ ذلك الحين، «لكن عبثاً، لأن شباناً كثراً عاطلون من العمل ولهم الأولوية في التوظيف». وباتت العائلة تعتمد على أجر زوجها وحده لدفع تكاليف تعليم بناتها الأربع، ثلاث منهنّ في الجامعة، وأشارت فيليو إلى أن «الوضع صعب جداً، اضطررنا الى الحد من نفقاتنا إلى أقصى حد». وتدهورت أوضاع البعض أكثر، إذ باتوا يلجأون إلى الصليب الأحمر الذي يقدم المواد الغذائية والملابس والدعم النفسي. وأوضح مدير المؤسسة في قبرص تاكيس نيوفيتو، أن القبارصة «باتوا يشكلون نصف الأشخاص الذين تتولى المنظمة مساعدتهم، في حين لم تكن نسبتهم تتجاوز 10 في المئة قبل الأزمة». وإذا كان جورجيادس يعوّل على العودة إلى نموّ ولو «ضعيف جداً» هذه السنة، إلاّ أن مديرة مكتب «سابيينتا إيكونوميكس» للاستشارات فيونا مولن، تبدو أقلّ تفاؤلاً مستبعدةً «نهوضاً اقتصادياً إلا خلال عام 2016». ومن العوامل، التي لا يُعرف في شكل واضح انعكاسها على تطوّر الاقتصاد القبرصي، النشاط السياحي الذي ربما يعاني من تدهور سعر الروبل، ويمكن أن يؤدي ذلك الى تراجع عدد السياح الروس الذين يرتادون الجزيرة بأعداد كبيرة. ومن التحديات الكبرى أيضاً، القروض التي لم تُسدد منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وهي تمثل أكثر من 50 في المئة من المستحقات المترتّبة للمصارف. وفي هذا السياق، جمّد البرلمان منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، قانوناً يهدف الى السماح بوضع اليد على العقارات، مطالباً بحماية أفضل للأفراد. وتثير المسألة اختبار قوة، تأمل الحكومة في إيجاد مخرج له «خلال الأسابيع المقبلة»، للحصول على شطر جديد من المساعدة وضمان استمرار الانتعاش الاقتصادي.