قلما يتحمس الرجل لحضانة أطفاله في حال الطلاق أو وفاة الزوجة، وبعض الزوجات يهددن أزواجهن بترك الأبناء في أعناقهم، فيرضخون. إنما يحصل في غالبية الأحيان أن الرجل يترك البيت، لزواج ثان أو لعمل، ولا يفكر في لمن سيترك الأولاد. إنها هناك للعناية بالآخرين. الإحساس بمسؤولية رعاية الآخر، عدا الإنفاق عليه، مختلف لدى الرجل المغربي التقليدي، فهو يأتي بالزوجة لترعى أبويه المسنين، وترعاه وترعى الأبناء، وقد ترعى أيضاً أفراداً آخرين من العائلة إن كانوا بحاجة لذلك. إنه مطمئن تماماً، كما هو متيقن إلى أن هذه المسؤولية هي للنساء فقط. من مدة، تناقل الناس مأساة امرأة بين زوجها وعائلتها. لم يكن الزوج يعلم بأن مرض زوجته عضال يقعدها الفراش، فهي وأسرتها أخفيا عنه الأمر كي لا يتراجع عن الاقتران بها. بعد وقت من الزواج، تقهقرت صحة المرأة، والزوج لم يكن مستعداً ليتحول ممرضاً، ولا لأن يتخلى عن «حقه في امرأة بكامل عافيتها». استفحلت المشاكل، وذات يوم حملها إلى بيت والديها، و «أرجعها» إليهم. لم يقبل الأب بأن تعود إليه البنت بعدما تزوجت، فهي خرجت من مسؤوليته، وأضحت مسؤولية رجل آخر. حلف الأب بألّا تبيت ابنته عنده ليلة واحدة. حملها مجدداً إلى بيت صهره، وتركها أمام الباب. لم يضع هذا الموقف الزوج أمام الأمر الواقع، حملها بدوره، وأعادها من حيث أتت. ولم يستمع أي من الرجلين إلى توسلات المرأة المسكينة. أخيراً، توقفت المأساة بتدخل أخيها، إلا أنه هو أيضاً لم يكن بوسعه لعب دور الممرض، فوجّه نداء عبر الإعلام المحلي إلى الجمعيات والمحسنين. ولم يعرف من الخبر، حينذاك، لماذا لم يلجأ الزوج إلى تطليق زوجته بدلاً من تعريضها إلى موقف غير إنساني رهيب، أو ما إذا كان يحضّر للطلاق. هذه القصة تحكي قسوة الرجال بتطرف، ولكن، ثمة قصص أخرى، ربما هي الأخرى تقع على الطرف الآخر من هذا التطرف، حينما يعادل إحساس الرجل بالمسؤولية إزاء زوجته إحساسها الطبيعي / الاجتماعي بها إزاءه، أو يفوقها. رجل قرر أن يعيش عقم زوجته، فحرم نفسه من الخلف، وبقي معها في علاقة نموذجية نادرة أكثر من ربع قرن، على رغم أن العقم هو أسهل وأسرع مبرر يقود الرجال إلى زوجة ثانية، لأنه كذلك أكثر المبررات موضوعية. هذا الرجل لم يجد حرجاً في الكشف الطبي عن نفسه، حتى لا تتعذب زوجته ب «ذنبه»، لم ير في ذلك ضرباً لرجولته أو فضيحة إن تبين العقم من عنده، كان مستعداً للذهاب مع زوجته إلى أبعد حد. وعلى امتداد هذا العمر الطويل، ساعدها لتجري عمليات جراحية عساها تتكلل بمولود، ومنع على أي من عائلته وعائلتها الحديث معه عن زوجة ثانية وأبناء. وهي نفسها يسّرت له الأمر، ولكنه رفض التخلي عنها، وأكد رضاه بقدر الله. عاشت الزوجة وفاء زوجها بمشاعر ملؤها الامتنان والعذاب في الآن نفسه. تعلم أنها حرمته الذرية، وأنه في العمق يتحرق شوقاً للأولاد. توصلا إلى كفالة رضيع أحد الأقارب. ملأ عليها القادم الوديع عالمها، وأنساها عذاب زوجها، وهو، اشتعل لديه لهيب التحرق إلى ابن من صلبه. للأسف، تمر قصة الوفاء هذه بأصعب فتراتها، فقد أسر الرجل لأسرته بأنه يفكر في الزواج من أجل الخلف، لكنه يشعر بأنه قد لا يكون قادراً على مواجهة صدمة زوجته. وحكى زميل يسافر يومياً للعمل ما بين الدارالبيضاء والرباط بالقطار، قصة وفاء جميلة وقع عليها صدفة، بطلها رجل. فقد لاحظ أن سيدة ترافقه على متن الرحلة الصباحية ذاتها، تذهب مرتين في الأسبوع عند بلوغها العاصمة في اتجاه معين ثم تعود متأبطة سيدة في اتجاه إحدى الوزارات. سألها، فأخبرته أن السيدة عمياء، تعمل معها في الإدارة ذاتها، وزوجها من يصطحبها من العمل يومياً وإليه، ما عدا اليومين اللذين تتكفل فيهما هي بالمهمة، لأنه يكون مسافراً.