طرح المسألة، أي مسألة تتعلق بسلوك سائد، يوقع الطارح أحياناً في ريبة، فيتراجع عنها أو يُحجم عن التفكير فيها، وكأنه ينتبه إلى أنه يكاد يرتكب ارتكاباً خطيراً أو يوقظ فتنة أو شراً. أحياناً، يفضَّل أن يبقى بعض الأمور على حاله، من دون استجواب، ولو بقي مبهماً. ولعل مسألة الوفاء والإخلاص ل «الآخر» (الشريك على وجه التحديد) هي من تلك المسائل التي تشبه المتاهة. فوفاء شخص لآخر يتوقف على وجود دافع، كالحب وقوداً لاستمرار حال الإخلاص، أو المصلحة الشخصية، مادية كانت أم معنوية، لمحاولة إبقاء الروابط والأواصر على أشدها. والأمثلة كثيرة في الحياة اليومية: على رغم تقدّمها في السن، بقيت تخدم أخاها المريض حتى مماته... ولكنها فازت من تركته بقطعة أرض شاسعة، بعد أن أوصى لها بذلك. فهل كانت تفكّر في هذا «المأرب» أثناء الخدمة؟ وفي النزاعات المسلّحة، معروف أن النساء (مع الأطفال) يهرّبن أولاً، ويبقين أول من يستقبل الأزواج المصابين والمعوقين، لخدمتهم حتى تعافيهم أو رحيلهم. نادراً ما نسمع عن امرأة تقرر الطلاق والزواج من آخر لأن الزوج سقيم عليل، لا أمل له في الحياة. وفي حالات أخرى، قد «تخونه» إلاّ أنها لا تهجره طريح الفراش (نادراً ما نسمع عن ذلك)... ولكننا نسمع كثيراً عن أزواج يقررون ترك زوجاتهم المصابات بأمراض «مميتة». والحق أن هذا الأمر شكل موضوعاً لدراسة أجراها علماء أميركيون، حاولوا البحث عن سبب وفاء الزوجة في محنة أكثر من الزوج... فالمسألة تبدو أنها ليست حكراً على منطقة من العالم. هي مسألة عامة. «لا يتردد الرجل، عموماً، في التخلي عن زوجته أو شريكة عمره، إذا تبين له أنها تعاني مرضاً عضالاً أو ميؤوساً من شفائه، على عكس المرأة، عموماً أيضاً، التي تقف إلى جانبه في وقت المحنة»، كما نقل موقع «لايف ساينس» عن نتائج دراسة شملت 515 مريضاً من الرجال والنساء تابع أطباء وباحثون في كلية ستانفورد للطب الأميركية أحوالهم الصحية بين 2001 و2002. وتشير الدراسة إلى أن الرجل إذا أيقن أن زوجته مصابة بالسرطان مثلاً، يصل احتمال هجرها إلى 6 مرات أكثر مما لو كانت صحيحة ومعافاة. ولكن، إذا كان هو المصاب بالمرض نفسه، فإن الزوجة لا تتصرف بالضرورة على النحو ذاته. وتبين أن احتمال أن يترك الزوج زوجته إذا عرف أنها مصابة بالسرطان أو بداء التصلب المتعدد (وهو التهاب مزمن يصيب المخ والحبل الشوكي)، يرتفع إلى 21 في المئة، في حين أن احتمال ان تتركه في الحالة المرضية ذاتها لا تتجاوز الثلاثة في المئة. وخلص الباحثون إلى أن «الرجل أقل التزاماً وإخلاصاً عندما يتعلق الأمر بتوفير الرعاية لزوجته في حين أن المرأة تعتبر ذلك من صلب واجباتها العائلية». ويقول رئيس برنامج الاورام والامراض العصبية في مركز الرعاية من السرطان بواشنطن، الدكتور مارك تشامبرلين، الذي قاد فريق الدراسة، إن الرجال يميلون إلى التخلي عن المسؤولية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمرض خطير قد يؤدي إلى الوفاة، وقد يجد أن من الأنسب له البحث عن شريك بديل، وهجر زوجته المصابة بمرض قاتل.