أكثر الأدباء تأثيراً في القارئ هو كاتب الرواية، بما يملكه من وسائل تعبيرية، ومقدرة على خلق أجواء من الخيال تستغرقنا حين نتصور أن واقعنا وحياتنا معادة من جديد. وكلما نفذ الكاتب إلى روح القارئ واحتضن إرادته كانت معالم الكاتب وشخصيته وأجواؤه واضحة وبارزة، وتأثيره أعمق وأبلغ. وهذا الحال مع الكاتب عبدالجبار الخليوي وأحداث روايته «التكية»، وهي من روايات «الحقبة» التي تصور مجتمعاً معاصراً في فترة تاريخية محددة، وتصوره في مرحلة انتقالية. «التكية» قصة صراع بين جيل قديم يتمسك بموروثات آبائه وأجداده البدوية النجدية التي حملها معه في داخل صرة متاعه على ظهر البعير أيام الهجرة من قُرى نجد إلى مدينة الزبير، وجيل جديد يُمثل أبناءهم وأحفادهم ممن درسوا وترعرعوا في حضن الثقافة البصراوية، ونتج من هذا الالتقاء صدام بين المحافظين (العقلية النجدية) والمجددين (الأبناء والأحفاد)، أدت بهذا الشاب سالم إلى أن يُطرد من منزله ليسكن التكية التي أنشأها الأتراك في الزبير. استوحى كاتب رواية «التكية» فكرتها من ماضٍ غابر ومعالم اندثرت، وأحداث أصبحت طي التاريخ والذاكرة، وكان عليه إحياؤها وتصويرها من جديد مكسوة بالحياة والعمق والأصالة. استطاع أن يعبّر عن القضايا الجوهرية لمجتمعه ليس في حينها، بل بعد تقادمها، لأن الروائي يحتاج إلى عنصر الزمن الذي يكفل اختيار المعلومات والحقائق والتجارب التي مر بها بلده ومجتمعه. غالبية الروائيين العرب لم يبدعوا في رواياتهم إلا بعد مضي زمن طويل على الأحداث والحقائق التاريخية والسياسية والاجتماعية، التي هي موضع اهتمامهم وتفكيرهم. وأحداث رواية «التكية» ما هي إلا وقائع عاشت في ذهن الكاتب والأديب السعودي عبدالجبار الخليوي، الذي كتبها حباً في بيئته وإنقاذاً لذكريات الطفولة.