المرأة السعودية.. دور محوري في التنمية والتغيير    الملك وولي العهد يتبرعان ب70 مليون ريال ل«حملة العمل الخيري»    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية تحصل على شهادة الريادة الذهبية في تصميم الطاقة والبيئة النظيفة LEED    الذهب يفقد مستوياته القياسية المرتفعة مع إعفاء صناعة السيارات من الرسوم الجمركية    المملكة تدين جرائم المجموعات الخارجة عن القانون في سورية.. وترحب باستضافة اللقاء الأميركي - الأوكراني    ثلاثة شهداء في قصف إسرائيلي شرقي رفح.. ومنع إدخال المساعدات لغزة مستمر    زيلينسكي يدعو إلى تشديد العقوبات على روسيا    النصر والفوز الأهم    كنو يمدد عقده مع الهلال    النجم الأزرق .. المصيف .. القارة والعلمين تصعد لدوري الدرجة الثالثة    التعاون يعبر ضمك بثلاثية    الرياض يفوز على الأخدود في دوري روشن    الدوادمي الأعلى في الأمطار    سارة بنت خالد ترعى حفل السحور السنوي ل"إنسان"    370 كشافاً يقدمون خدمات إنسانية لزوار المسجد النبوي    40 مبدعًا يمثلون المملكة في آيسف 2025    "مشروع الأمير محمد بن سلمان" يجدد مسجد الدويد بالحدود الشمالية    «رواشين» التوسعة.. لمسة تراث وتخليد تاريخ    تقنيات عالية لأنظمة الصوت بالحرم المكي    أجواء روحانية ومزيج من العادات الرمضانية يعيشها المقيمون في المملكة    حملة "صم بصحة" تسجل ملياري خطوة    الصيام الإلكتروني    %59 من السعوديين لا يمارسون الأنشطة الثقافية.. وجازان تتصدر    2027 عام الحسم أم استمرار الجمود في مضيق تايوان؟    براءة اختراع لكشف سوسة النخيل    فلسفة الطير: حكمة العلوّ ورؤية ما لا يُرى    حين تربي طفلك فأنت تصنع مجتمعا    العلم شامخ والدعوة مفتوحة    وزارة الداخلية.. منظومة متكاملة لأمن وطمأنينة قاصدي الحرم النبوي    المرأة ومأزق المربع الأول    الدولة بين واجبات السياسة وفنون الإدارة 2/2    "حارة الأحمدي" تقيم أطول مائدة رمضانية في جازان من صنيع الأمهات    الجامعة العربية تدين تصاعد العنف في الساحل السوري    أمير نجران يقلد الشمري رتبته    نائب أمير حائل يستقبل العياد    الذكاء الاصطناعي يقتحم المطبخ    تقنية متطورة لاستئصال أورام الدماغ    موقف لودي من مواجهة الهلال وباختاكور    الفتح يعاود تدريباته و "دجانيني" يواصل برنامجه العلاجي    كفاءة الإنفاق بالتعليم تلغي اللجان المركزية    تبرعات إحسان تتجاوز 700 مليون ريال في نسختها الخامسة    Pressreader: السعودية الخيار الجذاب للدبلوماسية العالمية    في يومها العالمي.. المرأة السعودية تتقدم وتشارك بفعالية في بناء الوطن    أمير القصيم يشارك أبنائه الأيتام وذوي الإعاقة مأدبة الإفطار    صناعة المدير الجنرال    كيف تنجح الدراما المستقاة من رواية؟    الجامعة العربية تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع الأمنية في سوريا    أمين الشرقية يدشن انطلاق مهرجان "أيام سوق الحب 5" بالدمام    النصر يتعادل إيجابياً مع الشباب في دوري روشن للمحترفين    "جنى" ذات ال (17) ربيعاً في خدمة المعتمرين والمصلين والصوام    تدريب لهيئة الهلال الأحمر السعودي في مول الباحة ضمن مشروع "معاذ" للسلامة الإسعافية    بلدية محافظة رياض الخبراء تزين شوارعها تزامنًا مع الشهر الفضيل        مساجد بيش تواصل تنفيذ مبادراتها التطوعية والإنسانية بمساجد المحافظة    أمير منطقة جازان يشارك رجال الأمن في الميدان إفطارهم الرمضاني    رئيس محكمة استئناف جازان وقائد حرس الحدود بالمنطقة يزوران أسرة الخرد    تحذيرات أممية من شح الغذاء في القطاع.. وجنوب إفريقيا: إسرائيل تستخدم التجويع سلاحاً للإبادة الجماعية    9500 معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال بينهم 350 طفلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصتان فخُ الصداقة
نشر في الحياة يوم 10 - 03 - 2015

أحد أيام الثلثاء من عام 1993، في أحد مقاهي وسط البلد، والمكان يضج بالحركة وأنا مستوحش برفقة أحد الأصدقاء أنتظرك ولا أعرفك: بعد فترة دخل شاب طويل وأقرب للنحافة، عرفت أنه أنت، ورأيت حينها أنك تدعي البساطة والتواضع، بخاصة وأنت تتحرك بين الكراسي تجمع أوراقاً متنوعة لمجلة تشارك في إصدارها.
لا تغضب – فبيننا اتفاق على الصراحة، لم أشعر بارتياح تجاهك حينها، ربما لأنه استقر بعقلي أن من سلطتك الموافقة على نشر قصيدتي أو رفضها، وربما لأنني ظننتك طليقاً تفعل ما تُحب بينما كنتُ مقيداً إلى الطب والمستقبل والأسرة وفشل حبي الأول وبداية اشمئزازي من العالم، ولا أعرف إلى أين تقودني خطواتي.
هكذا كان الانطباع الأول، لم أكرهك – والله – فقط شعرت بالقلق، لكنها عاداتي، فأنا دائماً أشعر بالقلق عندما أرى الناس للمرة الأولى، ويتملكني هاجس مشوش تجاههم وكأنهم يتآمرون عليَّ، لا ليس هكذا – فهذه مبالغة، أظن يتهامسون عليَّ مناسبة أكثر.
لكن يبدو أن التجاور في المقاهي ينشر بين الناس شعوراً مبهماً بالاعتياد وربما بعض الراحة.
هكذا ثلثاء بعد آخر، ونقاش تلو آخر، ضحكة من القلب مرة وابتسامة فاترة مرات أخرى. أكواب شاي تدور وفصول تتغير ووجوه لا يفارقها القلق حتى في ذروة الاستعراض أو النشوة بكتاب تكلفتُه مقتطعة من اللحم الحي.
ونقول أصبحنا أصدقاء، فهل تنشأ بين الأحجار المتراصة صداقة؟
تصوَّر – لم تقل لي، ولن أعرف أبداً، ماذا كان شعورك عندما رأيتني للمرة الأولى؟
تلك الأسئلة الغريبة التي لا إجابة لها ورغم ذلك نطرحها، هكذا ببلاهة الأطفال عندما ينظرون إلى وجوه آبائهم ويسألون: كيف جئنا إلى الدنيا؟
ولما لا يجد الآباء إجابة مناسبة، يستعيرون بعض البلاهة من وجوه أطفالهم ثم يقولون مثلاً: الله أرسلكم إلينا لأننا نطيعه في كل شيء، أنتم مكافأة الله لنا. ومن يستطيع أن يتوقع حينها ما ستنطق به الأفواه الصغيرة؟ وما الذي يستطيعه «الآباء/ الكبار» المساكين عندما تتدافع إليهم تلك الكلمات:- عمُنا رجلٌ شرير يا أبي.- عيب يا أولاد، عمكم رجل طيب. – لا، شرير، لأن الله لم يرسل له أطفالاً مثلنا!
فهل تظن يا صديقي أن الله أرسلنا للمقاهي كي نتقابل؟
تصوَّر – الآن أرى المقاهي مثل شِباك صيدٍ ونحن مجرد أسماك خدعها البريق، أو كما قال أحد المجانين (أُفضلُ وصفَ غير المدجنين)، الذي قابلتهم: «إذا كان الإنسان ينتحر بالقفز في الماء، فالأسماك تنتحر بالقفز في الشِباك، أهو كلُه انتحار».
فما الذي يجعل للحياة قيمة؟
وما الذي يجعلنا نوزع أيامنا على الشوارع والمقاهي ومكاتب المجلات ودور النشر؟
ما الذي يجعلنا نفكر في الحياة أكثر حتى من محاولة أن نحياها؟
نحن المخلوقات شاحبة الوجوه غالباً، والتي تخاف كل شيء.
تخاف الحياة كما تخاف الموت، وتخاف الكلام كما تخاف الصمت، تخاف الوحدة كما تخاف الآخرين والزحام، تخاف من اللصوص والشرطة وبنات الليل والعشيقات والزوجات، تخاف من الأحلام.
هكذا يا صديقي التقينا في أحد المقاهي، ووزعنا أيامنا ببساطة بين نظرة عين – ارتجافة نهد أو اهتزازة مؤخرة. سنتغاضى عن نقائصنا الكثيرة وعن الخيبات التي تركت آثارها على كل شيء فينا.
ونقول: نحتاج بعضنا البعض، ولا يوجد شخص كله عيوب. تلك أحزاننا ولن نستطيع الحياة من دون الهمس ببعضها إلى الآخرين.
أصدقاء على الخيبات والأحزان، نتبادل طعم المرارة في حكمة وحبور، ونعيد ترتيب المواقف والأحداث، ونتعمق في التحليل، ونبدو فوق كراسي المقاهي كما لو كان فلاسفة اليونان قد خرجوا من الكتب، أو كأننا لا نحمل في جيوبنا بضعة جنيهات ونكذب حتى على أجسادنا ونحن نرتدي جوارب وملابس داخلية بالية. هكذا نتبادل الأكاذيب ببساطة، حتى ونحن في لحظات البوح بما يثقل الصدور، أي شيء يثقل الصدر. أي شيء لا يثقل الصدر.
تعال نتابع ذلك لمرة، تعال نتابع المشهد عن بُعد... ياااه – ألهذا الحد نبدو في جلستنا ليس فقط مصدراً لإثارة السخرية بل والأسى؟ فمن بعيد تتكشف تلك التفاصيل التي يحجبها القُرب، ومن زمان ومقاهي المثقفين تبدو مثل سيرك يضم بعض الحيوانات العجوزة التي لا تتقن شيئاً سوى الإيماءات الغريبة وحركات الأيدي المرتبكة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.