انتهجت المملكة العربية السعودية سياسة متوازنة، منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران، تجاه حكام طهران الجدد، على رغم قيام النخبة الحاكمة في إيران بالكثير من الأعمال التي تضر بمصلحة الرياض. من المؤكد أن السعودية لا تضمر العداء للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهي (السعودية) وإن وقفت ضد امتلاك إيران سلاحاً نووياً، إلا أنها دافعت عن حقها (إيران) في امتلاكه للأغراض السلمية، ليس هذا فحسب، بل إنها طالبت في أكثر من محفل دولي بضرورة إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، في إشارة واضحة إلى تجريد الكيان الصهيوني من أسلحته النووية والذرية. إيران لعبت أدواراً سلبية، بعض هذه الأدوار لامس المصالح السعودية بشكل مباشر، ناهيك عن تدخلها السافر في العراق وسورية ولبنان وأخيراً اليمن، على رغم ذلك، وعلى مدى عقود، حاولت السعودية إمساك العصا من الوسط، بغية احتواء الجارة الإسلامية، لكن يبدو أن الكيل طفح بالسعوديين من جارتهم، التي لا تجيد آداب حسن الجوار. أول من أمس، تحدث وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في مؤتمر صحافي مع نظيره الأميركي جون كيري بعد اجتماع مشترك مع وزراء خارجية دول الخليج في الرياض، بلغة لم يعهدها المراقبون للسياسة السعودية الخارجية. الفيصل لم يغلف كلماته بالمعاني القابلة لعشرات التفسيرات كما هي عادته، بل إنه ذهب مباشرة إلى ما يختلج في صدر كل عربي (وربما كل مسلم)، ليصف إيران بأنها دولة ترعى الإرهاب، وأنها دولة محتلة في العراق وغيرها من الدول العربية التي توجد فيها. وأشار مراقبون إلى أن الحدة التي تحدث بها الأمير سعود الفيصل تجاه إيران، ليست إلا جزءاً يسيراً مما تكنه شعوب المنطقة تجاه طهران التي باتت تحتل أربع عواصم عربية عملياً، لافتين إلى أن عنان العقل لم يفلت بعد، وأن السعودية ذات نفس سياسي طويل، وهي لا تزال ترجو أن تعود إيران إلى جادة الصواب، مستشهدين على ذلك بقول الفيصل: «المملكة لا تضمر العداء لإيران، فهي دولة جارة، لكن إذا استمرت في توجهها ذلك، فسيضعها هذا ضد المصلحة العربية والقيم الأخلاقية، ولا شك في أنها تشجع الإرهاب وتحتل الأراضي العربية، وهذه ليست من خصال الدول، ونتمنى قبل أن يتطور الوضع أن تسمع إيران صوت العقلاء من أهلها وتترك تدخلاتها». وكان واضحاً، على رغم التطمينات التي جلبها معه كيري لحفظ أمن منطقة الخليج، أن السعودية - وعلى لسان وزير خارجيتها - مصممة على حل جميع الملفات المتعلقة بإيران، إذ قال الفيصل: «إن الضمانات الخاصة بهذا الملف (النووي) كما شرحها كيري للحيلولة دون امتلاك إيران تطوير قنبلة ذرية، لن تكون على حساب نسيان الملفات الأخرى». ورأى المراقبون أن السعودية ومعها دول مجلس التعاون، لم تكن متحمسة لتطمينات الوزير كيري لدول الخليج بشأن اتفاق مرتقب بين دول 5+1 وإيران، ليس لأنها (تعلم الكثير من تفاصيل الاتفاق إن تم)، بل لأنها تريد «سلة متكاملة» من الحلول مع إيران، بدءاً من العراق وسورية، مروراً بلبنان، وصولاً إلى اليمن التي سيطر عليها الحوثيون بدعم من إيران، إضافة الى تدخلها السافر في البحرين. كان لافتاً أمس في حديث الوزير السعودي، تأييد بلاده نظام تفتيش دولي صارم على البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يرى فيه المراقبون انعدام الثقة السعودية في صدقية إيران، بيد أن المراقبين يرون هذا التصعيد اللغوي «محاولة سعودية» لإعادة «الجارة المسلمة» إيران إلى جادة الصواب، وتجنيب المنطقة نزاعاً بدأت بوادره تتضح شيئاً فشيئاً في إقليم لا يحتاج إلى المزيد من الحروب، مشيرين إلى أن ذلك هو صوت «العقل السعودي» المنشغل دائماً بأمن واستقرار المنطقة.