للأسواق القديمة عراقتها وتاريخها الثري، إذ تزداد قيمتها كلما تقدمت بها السنون، ومن بين تلك الأسواق في السعودية، سوق حليوة في محافظة شقراء (200 كيلو متر شمال غربي الرياض)، والتي تجاوز عمرها 85 عاماً، لكنها ما زالت قبلة للبعض حتى لو انفض من حولها الكثير. وعلى رغم أن قيمة سوق «حليوة» الاقتصادية وكثافة قاصديها انخفضت عن السابق أو تكاد تنعدم، إلا أنها حتى وأن تداعت بعض أركانها أو اختفت، ما زالت تحتفظ بتواجدها في البلدة القديمة، وبشهرتها واسمها لدى أهالي المحافظة والمدن والقرى القريبة من شقراء. كما أن بلدية شقراء، وهي المالكة للسوق، تجعل منها مكاناً يحتضن المهرجانات والمناسبات الكبرى عرفاناً بقيمتها وتقديراً لإرثها التاريخي. وأوضح رئيس مكتب السياحة والآثار بمحافظة شقراء عجب العتيبي، أن تسمية السوق ب«حليوة» جاءت تزامناً مع بنائها سنة 1350ه، أي قبل إعلان توحيد المملكة بعام واحد، مضيفاً: «التسمية تصغير لكلمة حلوة وهي ما كان يطلق آنذاك على بستان مجاور للسوق يحمل الاسم نفسه». وأكّد أن السوق تنوعت فيها التجارة الداخلية والخارجية، إذ تحوي 100 دكان بنيت من الطين وهي المواد التي كانت تبنى بها المباني في ذلك الوقت، قبل أن يتطور البناء فيما بعد إلى إقامة الدكاكين بالبناء المسلح، مضيفاً: «الدلالة على أهمية السوق وعراقتها كانت الدولة العثمانية تشتري خيولها وجمالها منها، وهذا ما يدل على مكانة شقراء التجارية التي كانت تتمتع بها في ذلك الوقت»، مشيراً إلى أن السوق من الأسواق التاريخية في المنطقة، إذ أعيد ترميمها أخيراً، ولا تزال تحتضن بين جنباتها مجلساً لكبار السن «الشيوخ» يجتمعون فيه في شكل يومي بهدف تعزيز العناية بالتاريخ الشفهي وتوثيقه. ولفت إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار تستهدف تفعيل السوق باعتبارها من أهم الأماكن التاريخية والأثرية البارزة في شقراء، إذ يحتضن سوق «حليوة» جزءاً من المهرجان السياحي السنوي، من خلال إقامة فعاليات خلال المهرجانات السنوية تتمثل في عرض طرق البيع والشراء في الماضي، إضافة إلى مشاركة الحرفيين والحرفيات والأسر المنتجة. من جهته، أوضح إبراهيم بن محمد - ستيني من أهالي شقراء، أن ذاكرته لا تزال تحتفظ بزيارات التسوق المتكررة ل«حليوة» في طفولته مع والده نهاية الخمسينات الميلادية، مضيفاً: «لم ولن تغب عن ذهني تلك الجولات في ساحة السوق ودكاكينها الضيقة مع والدي وأقراني وأصدقائي في ذلك الوقت، فأركانها والبائعون فيها لا زلت أتذكر بعض أسمائهم». وأشار محمد إلى أن السوق يعرض فيها ما كان يعرض في أسواق منطقة نجد آنذاك، إذ يجد الزائر ل«حليوة» المنتجات الزراعية، ومنتجات الأصواف والسجاد، والمواشي ومنتجاتها كافة، إضافة إلى المنتجات الخشبية، مؤكداً أن الأهالي في شقراء خاصة الشبان يأملون بالاهتمام بالسوق، وتفعيلها في شكل دائم ومستمر بهيئتها القديمة - كما في المدن الأخرى أو الدول التي تحتضن أسواقاً لها تاريخ، معتبراً أن إعادة الحياة للسوق تضفي طابعاً وبعداً سياحياً للمنطقة، يكون عائده الاقتصادي كبيراً للأهالي. وأفاد بأن السوق مستأجرة حالياً من مجلس الأهالي في شقراء، معتبراً أن تشغيلها واستثمارها في شكل دائم سيحقق عائداً اقتصادياً جيداً للمواطنين من خلال تشغيل الدكاكين وتنشيط حركة البيع، إضافة إلى فتح المجال للأسر ذات الدخل المتدني بعرض منتجاتها في السوق، سواء في شكل مستمر أم حتى في المهرجانات الموسمية التي تحتضنها أرض السوق. ولفت إلى أن ساحة سوق «حليوة» التي تقع في وسط السوق، كانت تكتظ إلى وقت قريب بأنواع المواشي كافة التي يعرضها أصحابها للبيع ويجلبونها من أطراف المدينة ومن المدن والقرى المجاورة للسوق، وتفضيلها على غيرها من الأسواق نظراً إلى شهرتها الكبيرة، مضيفاً: «مع بزوغ فجر كل يوم وخصوصاً الإجازة الأسبوعية تمتلئ ساحة السوق بالباعة والمشترين الذين يتوافدون من مسافات بعيدة، لقناعتهم التامة في حصولهم على مبالغ مجزية عند بيع مواشيهم أو توفر ما يرغبون في شرائه»، معتبراً أن تعالي أصواتهم في المزايدات ببيع أو شراء لساعات، أضفى على السوق طابعاً من الأهمية والشهرة. وأوضح محمد أن بيع المواشي توقفت ممارسته في ساحة «حليوة» منذ ثلاثة عقود نظراً إلى تزايد الكثافة السكانية في المحافظة، إذ تم نقله في الجهة الغربية من مدينة شقراء نظراً إلى توفر المساحة الكافية لإقامة الأحواش ومواقع لبيع الأعلاف كذلك.