لليوم الثاني على التوالي تتواصل أفراح الجزائريين العارمة، التي انطلقت لحظة إحراز المدافع عنتر يحيى الهدف الوحيد في مرمى «الفراعنة» بالشوط الأول من المباراة الفاصلة الأولى من نوعها في تاريخ المواجهات العربية والأفريقية المؤهلة للمونديال، والتي أقيمت بينهما على إستاد المريخ في السودان، وهي المرة الثالية التي يصل فيها الجزائريون للمونديال بعد 82 و1986، لكنها المرة الأولى التي يكون العبور فيها للمونديال عبر بوابة مصر. وخرج الملايين من الجزائريين من جميع الشرائح والأعمار للشوارع في جميع مدن وقرى وأرياف الجزائر احتفالاً بالتتويج التاريخي الأول من نوعه منذ 24 سنة، ولتؤكد أن الشباب الجزائري قادر على صنع المعجزات على حد تعبير العديد من الشباب الجزائري. مرددين الأهازيج المعروفة على غرار «واحد، اثنان، ثلاثة... تحيا الجزائر» و«الله أكبر» و«انظروا ماذا يفعل الجزائريون». ولم يتأخر معلق التلفزيون الجزائري جمال محمد عن الإشادة بالإنجاز، وصرخ في أعقاب المباراة: «أبناء نوفمبر لا يمكن لهم أن ينهزموا في نوفمبر»، في إشارة إلى الثورة الجزائرية التي انطلقت في نوفمبر 1954. ولم تهدأ الجزائر العاصمة طوال الليل، اذ تواصلت الأفراح إلى ما بعد ساعات الفجر، وتعذر على عشرات الآلاف منهم العودة سريعاً إلى بيوتهم. «يفرح كثيراً من يفرح أخيراً» و«العبرة بالخواتيم» هكذا ردد الجزائريون وهم يسترجعون شريط مباراتي أم درمان والقاهرة، معتبرين أن العناصر الجزائرية أثبتت جدارتها على ملعب محايد، وأكدت سيطرتها على المنتخب المصري في المباريات التي تقام في الملاعب المحايدة، ليستحيل «الخضر» إلى عقدة «الفراعنة» خارج قواعدهم، وقال أحد الشيوخ ممن استهوته مناظر البهجة التاريحية، إنه يكاد يجزم بأن ما يراه يعيد إلى ذهنه أفراح الاستقلال عام 1962. وأشاد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي تابع المباراة باهتمام كبير بما صنعه «أبطال الجزائر»، واضطر إلى منح الجزائريين يوم الخميس (أمس) يوم عطلة مدفوعة الأجر. وقال الرئيس بوتفليقة في رسالة وجهها للاعبيه: «تخطيتم الصعاب، وانتصرتم على منتخب مصر الشقيق، وهو منتخب قوي، وكان يبحث هو الآخر عن تمثيل العرب في المونديال». ووصف المدرب رابح سعدان التأهل ب«الإنجاز التاريخي للكرة الجزائرية». من جهته، اعتبر النجم الكبير رابح ماجر التأهل بانه «تاريخي» ويعيد للأذهان ما قدمه جيله للجزائر بالتأهل مرتين متتاليتين إلى مونديالي إسبانيا والمكسيك. وحيا النجم الكبير صالح عصاد «أبطال الجزائر»، وقال: «إن هؤلاء الأبطال شرفوا الجزائر والكرة الجزائرية»، معرباً عن أمله بأن يعيدوا الكرة في جنوب أفريقيا ويفعلوا أفضل مما فعله جيله في إسبانيا والمكسيك. وأطلقت الصحافة الجزائرية العنان لأفراحها، وعنونت صحيفة «الخبر» صدر صفحتها الأولى بالبنط العريض: «إنجاز تاريخي»، وقالت: «الجزائريون قضوا ليلة بيضاء احتفالاً بالتأهل التاريخي». في حين اعتبرت صحيفة الشروق أن «الجزائر هزمت مصر رياضياً وإعلامياً». أما صحيفة «الوطن» الناطقة بالفرنسية، فكتبت بالبنط العريض: «الجزائر هزمت مصر وتأهلت إلى مونديال 2010... تحيا الجزائر». في حين توجهت صحيفة «لاتريبون» الناطقة بالفرنسية إلى المصريين وقالت: «إبك يا مصر... الجزائر في المونديال». ويعزو الجزائريون الإنجاز التاريخي ليس إلى الأداء البطولي والرجولي للاعبين الجزائريين بمهاراتهم العالية وانضباطهم التكتيكي فوق الميدان، ولا للداهية رابح سعدان الذي نجح في كسب الرهان للمرة الثالية بعد مونديالي 1982 و1986 فحسب، بل أيضاً إلى العمل الإداري الجبار الذي بذله رئيس اتحاد الكرة محمد روراوة، الذي كان له الفضل بحسب مراقبين في تغيير قوانين «الفيفا»، بعدما سمح بانضمام عشرات اللاعبين الجزائريين الموهوبين المقيمين في فرنسا إلى منتخب «محاربي الصحراء» في وقت كان أسلاف هؤلاء يرفضون حتى الاستجابة لدعوات المدربين الوطنيين في السنوات السابقة، أملاً بالانضمام إلى منتخب «الديكة». ومن المتوقع أن يتسلم اللاعبون مكافأة تاريخية قد تصل إلى 300 ألف يورو مثلما وعدهم بذلك رئيس اتحاد الكرة، فضلاً عن الحظوة المعنوية الكبيرة في قلوب 35 مليون جزائري.