أكد رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي (المصرف المركزي الأميركي) بن برنانكي نجاح الإجراءات القوية التي اتخذتها الحكومة، بما فيها مجلس الاحتياط، في إنقاذ قطاع المال والاقتصاد الأميركي من الانهيار، لكنه حذر من أن حصول «انتكاسات» في المستقبل احتمال وارد. ولفت إلى تحديات ضخمة يفرضها بقاء الائتمان مقيداً والنشاط الاقتصادي ضعيفاً ومعدل البطالة مرتفعاً بحدة. ولم يستبعد برنانكي في كلمة أمام النادي الاقتصادي في نيويورك الاثنين الماضي، من احتمال أن يستمر الاقتصاد الأميركي السنة المقبلة في التوسع الذي بدأه في الفصل الثالث من السنة الحالية بعد أربعة فصول متتالية من الانكماش. ونبّه في الوقت ذاته من أن تحديات مهمة، ذكر منها تقييد الإقراض المصرفي للشركات الصغيرة والمستهلك وضعف سوق العمل، «ستحول دون أن يكون هذا التوسع بالقوة التي نأملها». وفي بادرة نادرة من نوعها، سعى برنانكي إلى طمأنة كبار المقرضين الدوليين بخاصة الصين واليابان والبلدان المصدرة للنفط، على وضع الدولار، وشدّد على أن التزام السلطات النقدية بانتهاج سياسات للحفاظ على القوة الشرائية للدولار وعلى الأساسيات المتينة للاقتصاد الأميركي، من شأنها أن «تساعد على ضمان أن يكون الدولار قوياً ومصدراً لاستقرار النظام المالي العالمي». وأكد برنانكي إدراكه ما تعنيه تقلبات الدولار، الذي خسر منذ آذار (مارس) الماضي زهاء 13 في المئة من قيمته في مقابل العملات الرئيسة وتراجعت أسعار صرفه بنسبتي 19 و15 في المئة على التوالي أمام الجنية الإسترليني واليورو، إلا أنه استبعد احتمال اتخاذ خطوات فورية لتشديد السياسة النقدية وإنعاش الورقة الخضراء مبرراً ذلك بأن دعم سوق العمل الضعيفة يتطلب بقاء الفائدة في مستوى متدن استثنائي لفترة طويلة. إلا أن محافظ المصرف المركزي الأميركي لم يقلل من خطورة التحديات التي تواجه سوق العمل، فأشار إلى أن خسارة الاقتصاد الأميركي منذ بداية الركود في كانون الأول (ديسمبر) 2007 نحو ثمانية ملايين وظيفة وارتفاع معدل البطالة من 5 إلى أكثر من 10 في المئة حالياً، هما أكبر خسارة والارتفاع الأكثر حدة في أي ركود منذ الحرب العالمية الثانية. وأعلنت وزارة العمل الأسبوع الماضي أن خسارة 190 ألف وظيفة جديدة رفع معدل البطالة من 9.8 في المئة في أيلول (سبتمبر) إلى 10.2 في المئة في تشرين الأول (أكتوبر) وأعلى مستوى له منذ 1983، لكنها ذكرت أيضاً أن مسوحات الأسر أظهرت أن عدد العاطلين من العمل سجل زيادة ضخمة أخرى في تشرين الأول مرتفعاً إلى 15.7 مليون عاطل. وأكد برنانكي أن أبرز التحديات التي تواجهها سوق العمل لا يكمن في أن الفائض الذي تعانيه في المعروض من العمال أكبر بكثير مما يوحي به معدل البطالة فحسب، بل في ضعف نمو مداخيل العمال الذي من شأنه في حال استمراره، أن يقيد قدرة الأسر على الإنفاق، وهو أمر بالغ الخطورة بالنسبة إلى اقتصاد تزيد حصة الإنفاق الاستهلاكي فيه على 70 في المئة. وبدا برنانكي أكثر تشاؤماً من أي وقت إزاء احتمالات تحقيق تقدم ملموس على صعيد أزمة البطالة قبل نهاية 2010، وأوضح أن مجرد الحفاظ على معدل البطالة من دون تغيير يحتاج إلى إنتاج 100 ألف وظيفة شهرياً ما يتطلب نمو الاقتصاد الأميركي بمعدل 2.5 في المئة سنوياً، ( معدل لا يعتقد خبراء صندوق النقد بأن الاقتصاد الأميركي قادر على تحقيقه السنة المقبلة). وفي تحد آخر يواجه سوق العمل، أشار برنانكي إلى أن «تردد» المصارف في الإقراض يحد من قدرة الشركات على التوسع وإنتاج فرص عمل، وعلى رغم توقعه انفراج أزمة الائتمان تدريجاً بعد أن يؤدي تحسن الظروف الاقتصادية إلى تعزيز الموازنات العمومية للمصارف وانحسار عدم اليقين، نبّه إلى أن انكشاف المصارف على قروض العقار التجاري الذي يعاني من أزمة حادة، قد يؤدي إلى إبطاء هذا الانفراج. لكن برنانكي الذي تحدث، بالتزامن مع مناقشة الكونغرس، ضمن مجموعة مبادرات الإصلاح الرقابي، مشروع قانون لرئيس اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي كريس دوود يسعى إلى تجريد مجلس الاحتياط من معظم صلاحياته الرقابية، اختتم بتوقع استمرار نمو الاقتصاد الأميركي في الشهور الأخيرة من السنة الحالية والعام المقبل مدعوماً بالانتعاش القوي في الاقتصادات الصاعدة خصوصاً في آسيا.