تمنى سماع صوت طفلته الصغيرة «ريفال» ذات الثلاثة أشهر، ولم يكن يعلم أن القدر سيحول بينه وبين تحقيق أمله. انتظر الشهيد الرقيب مظلي أحمد سعيد العمري أكثر من خمس ساعات عبثاً على أن تصحو طفلته ويسمع صوتها ويحادثها وتحادثه، من دون جدوى، وكأنه يشعر أنها الساعات الأخيرة له في هذه الدنيا. ولم تمض ساعات الليل الأخيرة على الشهيد العمري حتى استلم مكانه في رباطه المقدس على جبهة القتال فوق أحد سفوح جبل «دخان» المتاخمة للحدود اليمنية، ليفاجأ بثلة من الأفراد المسلحين باغتته بأسلحتها النارية، فأوعز لزملائه بالاختباء تحت إحدى الصخور، حتى يتمكن من مقاومة العدو بمفرده، نظراً لإجادته فنون الرماية، وبدأ فعلاً في تبادل إطلاق النار معهم، ليردي ثلاثة منهم تباعاً، وعندما أحس العدو بصعوبة مقاومته، غيروا عيار الإطلاق الناري من الرشاش العادي إلى العيار 72 ، لتصيبه رصاصات الغدر، ويغيب عن الدنيا، ومحيا طفلته لم يغب أبداً عن ذاكرته، مجاهداً ومقاتلاً في ساحات الشرف والكرامة. وأوضح شقيق الشهيد محمد سعيد العمري في اتصال هاتفي مع «الحياة» من سرادق العزاء في مكةالمكرمة، أن شقيقه هاتفه مساء الخميس الماضي، راغباً في سماع صوت طفلته «ريفال»، لكنها كانت نائمة، ما اضطره للانتظار طوال ساعات الليل، من دون جدوى، ليؤكد على شقيقه بعد معاودة الاتصال ضرورة الاهتمام بإخوته وأسرته حتى عودته من ساحة القتال. وقال محمد العمري، إن شقيقه أحمد يعمل رقيباً مظلياً في القوات المسلحة السعودية في تبوك، وهو العائل الوحيد لأسرته وإخوته من بنين وبنات، وينفق عليهم، خصوصاً بعد وفاة أبيه وأمه واثنين من إخوته خلال حادثة سير حدثت لهم قبل أعوام. من جانبه، لفت صديق الشهيد عادل العمري إلى أن خبر وفاة الشهيد نزل عليهم كالصاعقة، في حدود الساعة الثانية من فجر الجمعة الماضي، مؤكداً أن أسرته رأت دفنه في مدينة جازان، وتحديداً في مقابر «الدغارير» بعد تمزق أشلائه تماماً. وأضاف أن أسرته ستفقد رجلاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فضلاً عن أطفاله الصغار سعيد، غدير، لمار، ريفال خصوصاً طفلته الصغيرة التي كان متعلقاً بها جداً، ويود سماع صوتها قبل وفاته، لكن القدر كان أقرب إليه من تحقيق حلمه الأخير.